وقع الحديث عن وثيقة المطالبة بالاستقلال من طرف الزعيم علال الفاسي في العديد من الكتب والمقالات والخطب والرسائل التي ألفها، وهو الذي عرف بغزارة إنتاجه المعرفي والفكري، بل إن الزعيم علال الفاسي من الزعماء الوطنيين القلائل الذين زاوجوا ما بين صناعه الأحداث العظام وما بين التأريخ لتلك الاحداث.
طبعا لا يمكن في حيز ضيق كما هو الأمر في مقال، أن تقدم قراءة لكل ما كتبه الزعيم علال الفاسي حول هذه الوثيقة التاريخية، لذلك فإن اختيارنا وقع على محاولة تلخيص ما أورده الزعيم حول هذه الوثيقة في أحد أبرز المؤلفات التي تركها لنا الزعيم يتعلق الأمر بكتاب “الحركات الاستقلالية في المغرب العربي”، وقبل الانتقال إلى جوهر الموضوع وهو وثيقة 11 يناير، يتعين التأكيد على أهمية وخصوصية هذا المرجع البارز في التأريخ لكفاح الحركة الوطنية من أجل الاستقلال، والذي يعكس لوحده نبوغ الزعيم علال الفاسي، والعلوم والمعارف التي اجتمعت لديه، هذا بالإضافة الى كون هذا الكتاب الهام، يعكس الإلمام العميق ودقة ومتابعة الزعيم للتطورات السياسية التي كان يعرفها العالم أنداك.
معلوم أن صدور هذا الكتاب الذي يعد النموذج البارز للكتابة التاريخية الوطنية، تم سنة 1948 بالقاهرة، بطلب من الإدارة الثقافية لجامعة الدول العربية، فهو إذن لا يشمل المرحلة الحاسمة من تاريخ كفاح الشعب المغربي من أجل الاستقلال، ولا سيما تلك التي أعقبت أعقبت نفي السلطان محمد بن يوسف، وحتى عودته الى أرض الوطن، لذلك نجد أن المجاهد الراحل سيدي أبو بكر القادري، يؤكد في تقديمه للطبعة الصادرة عن المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير على أن الكتاب الذي أكمل فيه الزعيم علال الفاسي التأريخ لكفاح الشعب المغربي من اجل الاستقلال، هو كتاب ‘ نداء القاهرة” الذي ألفه رحمه الله بعد الاستقلال.
هذا الكتاب الذي أجزم أن أي دارس لتاريخ الحماية صعودا وأفولا، لا غنى له عنه، يقع في 467 صفحة، النسخة التي اشتغلنا عليها لتحرير هذه المقالة، هي تلك الصادرة عن منشورات المندوبية السامية للمقاومة وأعضاء جيش التحرير، الطبعة السابعة.
ولئن كان هذا الكتاب القيم يتناول بالتفصيل الحركات التحريرية في كل من الجزائر وتونس، إلا أن النصيب الأوفر خصصه علال الفاسي لبلده المغرب، والذي انطلق فيه من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي كانت سائدة قبل الحماية، وأنهاه بالحديث عن المغرب العربي وعدم قبوله للحكم الفرنسي.
وبين هذين الموضوعين، وفي سياق اقتفاءه الدقيق لمراحل كفاح الشعب المغربي ضد الحماية الفرنسية، ونشأة ونضال الحركة الوطنية، خصص الزعيم علال الفاسي حيزا بارزا للحديث عن ظروف تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير 1944.
من بين مؤلفات الزعيم التي توقفنا عندها والتي عالج رحمه الله من بين ما عالجه، موضوع وثيقة 11 يناير، مؤلف ” نداء القاهرة’ الصادر عن مؤسسة علال الفاسي ( الطبعة الثالثة سنة 2013)، والذي يشكل إمتداد لكتاب الحركات الاستقلالية يغطي المرحلة الممتدة ما بين 1953 وحتى عودة السلطان سيدي محمد بن يوسف في نونبر 1955، هذا الكتاب الغني والثري الذي آلفه الزعيم سنة 1959 ظمنه أحاديثه في إذاعة صوت العرب بالقاهرة، بالإضافة إلى مجموعة من الوثائق والأرشيفات الثمينة، ولقد وقع الحديث فيه على موضوع الوثيقة في مناسبتين؛ الأول حديث يحمل عنوان ” وثيقة الاستقلال” ص 63، والثاني جاء تحت عنوان ” ذكرى إعلان وثيقة الاستقلال المراكشية”، طبعا هناك العديد من المعطيات التي أوردها الزعيم في الحركات الاستقلالية نجده يعيد التذكير بها، بيد أن هناك معطيات إضافية، ومن ذلك مثلا حديثه عن دعم وتأييد ” المنطقة الخليفية، ومدينة طنجة ذات الوضع الإداري الدولي إلى الجهات المختصة، مؤكدة الطلب، ومعلنة التضامن التام فيه، والثقة الكاملة في وفد الاستقلال إلى الملك”.
وبنفس إيماني جهادي قوي نجد الزعيم علال الفاسي في هذين ” الحديثين”، يسرد ما عانته النخبة الوطنية التي حملت على عاتقها مناصرة هذا المطلب، من إعدامات، وسجن ونفي وتعذيب، حتى أنه عدد أسماء بعض رموز النخبة الوطنية الذي أعدمهم الاحتلال جراء إنخراطهم في حركة المطالبة بالاستقلال.
فكيف تناول الزعيم علال الفاسي قصة ميلاد وثيقة المطالبة بالاستقلال؟
- أول ما نجد أن الزعيم علال الفاسي حرص على التأكيد عليه، هو أن توجه الحركة الوطنية ممثلة في حزب الاستقلال لرفع مطلب الاستقلال إنما جاء في تناغم تام مع توجيهات السلطان سيدي محمد بن يوسف، يورد علال الفاسي اقتباسا لأحد تصريحات السلطان، والذي أشار الى أنه ألقاه في العديد من المناسبات أمام ممثلي فرنسا، وممثلي الحلفاء ومفاده أن المغرب ظل صبورا طيلة مده الحرب، وضحى في سبيل أنصار الحرية الإنسانية، فيجب أن يقال ” إنكم تعلمون أن قيام المغرب بواجباته كلها أعطاه سببا آخر ليستعجل الحصول على سائر حقوقه”.
يتعين التأكيد أنه وفي جميع كتبه الزعيم علال الفاسي حول ميلاد هذا النص التأسيسي الحاسم في تاريخ الأمة المغربية، نجده يؤكد على الدور المحوري الذي لعبه السلطان سيدي محمد بن يوسف في رعاية هذا المطلب وتبنيه والدفاع عنه لدى الإقامة العامة، رغم كل التهديدات التي كان يتعرض لها العرش من طرف الحماية.
فسواء في الحركات الاستقلالية أو في نداء القاهرة، يروي علال الفاسي كيف تعامل السلطان مع الوثيقة على الشكل التالي:
- دعى مجلس الوزراء للإنعقاد للتداول حول الوثيقة وعبر عن دعمه لها.
- دعى المقيم العام للقاءه وسلمه نسخة من الوثيقة وأكد له دعمه لمطلب الحركة الوطنية ورعايته لمطلب الاستقلال.
يتضح إذن تلك الوحدة الروحية والنضالية التي جمعت ما بين السلطان سيدي محمد بن يوسف وما بين الحركة الوطنية، ولعل هذا من بين أمور أخرى، هي التي سوف تجعل الحماية تتآمر على السلطان الشرعي وتعتدي على العرش مدعومة من بعض أعوانها بدعوى مولاة السلطان” للأحزاب المتطرفة”، منصبة بديلا عنه سمي ” سلطان النصارى”.
- العنصر الثاني الذي يجب أن نفهم على ضوءه ميلاد هذه الوثيقة التاريخية، إطلاقا من رواية الزعيم علال الفاسي، هو أن التوجه نحو الإعلان عن المطالبة بالاستقلال جاء في سياق ما أسماه الطلاق البات الذي وقع بين الشعب وما بين الحماية ونظامها منذ 1937، لأن المغاربة لم يعودوا يرون في الحماية إلا ” الاستعباد الواضح”، رغم كل الدعاية الكولونيالية لإدارة الشؤون الأهلية.
- وعلاوة على ذلك، فإن العنصر الثالث الذي يجب التوقف عنده مليا هو أن هذه الوثيقة كانت نتيجة تداول ديمقراطي في مؤتمر عام تمثلت فيه ” جميع النزعات السياسية والاجتماعية للبلاد“، والتي قام الزعيم علال الفاسي بتعدادها وذكر مكوناتها، ولكن ما يهم في هذه الحالة هو البعد الديمقراطي لدى قادت الحزب الوطني، والذين لئن كانوا يقودون القوة السياسية الأولى في البلاد، إلا أنها ولما تعلق الأمر بقضية مصيرية الإعلان الصريح عن مطلب الاستقلال لم يقصوا أي مكون من مكونات الأمة، حتى آولئك الذين إنشقوا عن الحزب الوطني، وأسسوا ساعتها ما عرف بالحركة القومية، كل هذه التفاصيل يذكرها بكل دقة وأمانة الزعيم علال الفاسي في هذا الكتاب النفيس.
- إن نشأة حزب الاستقلال (الحزب الوطني سابقا) ارتبطت بالإعلان عن مطلب استقلال، وهو الأمر الذي تم في ذات المؤتمر الذي عقد في 11 يناير 1944 بمدينة الرباط.
- من المهم الانتباه أن الزعيم علال الفاسي يتحدث عن ” ميثاق ” وليس ” وثيقة ” لأن الأمر فعلا كان ميثاقا، ميثاق ميلاد حزب الاستقلال، الذي لم يكن يعني إلا ميلاد فكرة الاستقلال، وهي الفكرة التي سبق لملك البلاد سيدي محمد بن يوسف أن عبر عن معناها في العديد من المناسبات كما تمت الإشارة اليه أعلاه.
- قبل أن يورد علال الفاسي النص الرسمي لميثاق 11 يناير 1944، قام بتحليل هذا النص الحاسم في تاريخ المغرب المعاصر، هذا النص الذي كان يظهر اليوم أنه ينتمي إلى الماضي إلا أن بعده المستقبلي ظل دوما حاضرا بين ثناياه وكلماته وجملة التي صيغت بلغة تراثية بديعة.
- في شرحه لميثاق 11 يناير 1944، أورد الزعيم علال الفاسي، ثلاث عناصر جوهرية أولها أن الحماية نظام فرض على الأمة المغربية في ظروف استثنائية، والشاهد على ذلك يقول الزعيم حجم وشدة وبأس المقاومة المسلحة التي التي واجه بها الشعب المغربي الجيش الغازي، ثاني هو ثانيها هو “خرق فرنسا لبنود معاهدة فاس” فلم تبقي على السيادة المغربية، التي تعهدت فيها معاهدة فاس، ثالث العناصر التي حلل على ضوءها الزعيم علال الفاسي ميثاق الاستقلال هو ميلاد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها طبقا لمبادئ الميثاق الأطلسي الذي وقعه رئيس الوزراء البريطاني ونسنون تشرتشل والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت سنه 1941، والذي وضع المبادئ الكبرى لمرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
- لما كان ميلاد وثيقة المطالبة بالاستقلال، مرتبطا بميلاد حزب الاستقلال، وبعد أن حلل الزعيم علال الفاسي مضامين هذه الوثيقة، والتي ضمنتها حرفيا في ثنايا الكتاب، إنتقل مباشرة لشرح الاسس المذهبية والعقدية التي قام عليها حزب الاستقلال، لأنه هو الشرط الاساسي لإنهاض المغرب، وثانيها أن الحزب يناصر الحرية، والتي إعتبر أن لا حد لها إلا عندما تمس حريات الآخرين، ثالث الأركان التي نهض عليها حزب الاستقلال الولاء للعرش وللملك، ففي معرض حديثه في العنصر الثالث الذي عنونه ب “مسألة النظام الدستور” أشار الزعيم علال الفاسي إلا أن ” مسألة النظام لا محل لها في المغرب، لأن هناك عائله ملكية محبوبة من الشعب الذي يدين بالولاء للعرش ولجلالة الملك الحالي سيدي محمد بن يوسف…”، وبعد ان أسهب بكل وضوح في هذه الدعامة الأساسية، أشار إلى أن المغرب في إطار الدعم الديمقراطية الحرة، لأن الديمقراطية لا تتنافى مع مبادئ الإسلام.
لم يتوقف الزعيم علال الفاسي، هنا بل دعا إلى وضع دستور ديمقراطي، يعترف بحقوق الإنسان والمواطن…، أكد الزعيم علال الفاسي في العنصر الرابع الذي عنونه ب ” التربية والبعث الديمقراطي”، أن حزب استقلال من أنصار الملكية الدستورية والمبادئ الديمقراطية، هذه الأخيرة ليست جديدة بالنسبة للمغرب، غير أن الزعيم علال الفاسي، نادى بوجوب التربية الديمقراطية، عبر التعليم، وعبر تعويد الأمة على الحياه الدستورية، وبعيد عن أي تقوقع على الذات، أقر الزعيم علال الفاسي، بأن المغرب ساعتها بحاجة الى تطوير موارد البشرية أو ما أسماها ” مسألة الإطار”، لإقامة الديمقراطية وتحقيق مطالب الشعب، إن أحد تمظهرات الانفتاح عند الزعيم علال الفاسي تتضح أكثر عند حديثه عن النقطة السادسة عن ” العدلية ” فلئن كان قد طالب باعتماد وحدة القضاء، وبقانون مستمد من الشريعة الإسلامية إلا أنه ظل منفتح على القانون المقارن، وهذا أحد الملامح الحديثة البارزة في تصور حزب الاستقلال، ينتقل إثر ذلك الزعيم علال الفاسي للحديث بتفصيل عن رؤيه الحزب لقضايا الدفاع الوطني والأمن الداخلي، وكذا السياسة الاقتصادية والمالية والسياسة الخارجية.
في معرض حديثه عن السياق التاريخي الداخلي والخارجي الذي فجر مطلب الاستقلال، وبعد أن بين رعاية السلطان سيدي محمد بن يوسف لهذه الحركة المباركة، وبعد أن أسهب كذلك في تحليل مضامين ميثاق 11 يناير 1944، ولما كانت ولادة هذا الميثاق مرتبطة، بميلاد الحزب الذي قدمها ودافع عنها، وضحى بالغالي والنفيس في سبيلها، فإن الزعيم علال الفاسي وانطلاقا من إيمانه الراسخ بوجوب الوضوح الفكري خصوصا لدى الحركات التحريرية، فقد أسهب في شرح الأسس العقدية التي قام عليها الحزب في مختلف مناحي الحياة، وبما ينبغي أن يكون عليه المغرب بعد الاستقلال ولعل هذا أكبر تقليد لأصحاب مقولات أن الحركة الوطنية لم تطور وهي تغوص في الكفاح من أجل الاستقلال نظرية المغرب ما بعد الاستقلال.
لم يقتصر الزعيم علال الفاسي على إستحضار القيم والمبادئ التي تأسس عليها حزب الاستقلال وريث الحزب الوطني، بل نجده يعدد كذلك التعديلات التي همت البنية التنظيمية للحزب الجديد ، وهذا أيضا من الملامح الدالة على أن علال الفاسي زلوج وبشكل استثنائي ما بين القوة الفكرية والحنكة التنظيمية والتي بوأته دون أدنى منازع زعامة الحركة الوطنية، فرحمه الله رحمة واسعة نظير ما قدمه للعرش والشعب والوطن.
- توقف الزعيم الفاسي مطولا عند الاحتضان الشعبي الكبير الذي لقيته عريضة 11 يناير، لدى مختلف فئات المجتمع ومكوناته، ولعل ذلك أكبر دليل على أن حزب الاستقلال ومنذ نشأته الأولى ظل ضمير الأمة، والمعبر الأمين عن تطلعاتها وآمالها في الاستقلال والديمقراطية، فها هو الزعيم علال الفاسي يشير الى الفعاليات الشعبية التي عاشها المغرب في “أسبوع التضامن في سبيل الاستقلال”، والذي عرف توالي العديد من الوفود الشعبية من كل نواحي المغرب؛ ترفع لجلاله الملك عرائض التأييد لمطلب الاستقلال المرفوع من الحزب، مؤكدا أن تلك الوفود تضمنت “كل الطبقات الاجتماعية”، مسجلا بشكل خاص أهميه أن يكون من بينها وفد المجلس العلمي للقرويين والمعاهد الدينية.
10- من بين الأمور التي يشير إليها الزعيم علال الفاسي بكثير من الشرح الدقيق، هو رد فعل الإقامة العامة على عريضة 11 يناير، فلقد سجل بهذا الخصوص أنها لم تتخذ أي مبادرة طيلة ما أسماه “أسبوع التضامن في سبيل الاستقلال”، وكان ذلك على وقع الصدمة والمفاجئة، إلا أنها سرعان ما سوف تبلور خطة لمواجهة هذا الحدث الذي شكل عمليا أول مسمار في نعش الدولة الاستعمارية في المغرب.
أهم العناصر التي ميزت موقف الإقامة العامة تتمثل في:
- توجه المقيم العام قبل إنعقاد المجلس الوزاري لإخبار السلطان سيدي محمد بن يوسف أن التوجيهات التي تلقاها من اللجنة الوطنية الفرنسية للتحرير الوطني، تقضي بأن لا يدخل السلطان في أي مخابرات (محادثات) تقضي إلى تغيير نظام الحماية.
- إصدار الإقامة العامة بلاغ يوم 12 يناير تعلن إتفاق الإقامة العامة مع السلطان على إنجاز الكثير من الإصلاحات.
- طلب الإقامة العامة من أقطاب الحزب الذين توافدوا على العاصمة لتأييد مطلب الاستقلال مغادرتها فورا والرجوع الى مدنهم.
- إستدعى الولاة الفرنسيون الأعيان وعاتبوهم على التضامن مع الحزب في مطلبه.
- في تصعيد خطير لرد فعل الإقامة العامة قامت باعتقال قيادية الحزب يوم 28 يناير، والذين إتهمتهم فرنسا بالتعاون مع العدو المتمثل في دول المحور بقيادة ألمانيا النازية أنذاك، وهو ما سيقابل برد فعل شعبي كبير، وإضراب عام في سائر المدن المغربية يوم 29 يناير 1944.
يسرد الزعيم علال الفاسي بكثير من الدقة والوقوف عند التفاصيل رد الفعل الشعبي الذي أعقب اعتقال الأمين العام للحزب الحاج احمد بلا فريج وقيادات بارزة في الحزب أنذاك، ويصف المواجهات الدامية التي كانت الرباط وفاس وسلا والدار البيضاء مسرحا لها، معددا الإجراءات القمعية التي قامت بها الإقامة العامة ورد الفعل الشعبي من المدنيين و الوطنيين الذين سقطوا في هذه الهبة الشعبية المجيدة، ولم يفته التوقف عند الاجراءات الإنتقامية التي اتخذتها الإقامة العامة في حق الموظفين والقواد والوزراء الذين دعموا ميثاق 11 يناير، وفي مقدمتهم العالم الكبير وزير العدل سيدي محمد بن العربي العلوي رحمه الله.
وحاصل القول أن رصد الزعيم علال الفاسي للأحداث التي تلت تقديم ميثاق 11 يناير 1944 جد مدهش، فهو يتضمن معلومات غزيرة ودقيقة، معززة بالأرقام والأسماء وتواريخ الأيام والشهور، والتي تؤكد المنعطف العظيم والكبير الذي دخله المغرب بعد تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال برعاية السلطان وإشرافه المباشر.
على امتداد الصفحات التي خصصها الزعيم علال الفاسي، للحديث عن تقديم وثيقة 11 يناير 1944، في كتابه النفيس الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، هناك رصد مهم للسياق الوطني والدولي الذي تم فيه هذا الحدث. إن هذا الحدث الذي حاولنا تركيب وتكثيف المعطيات الواردة في الكتاب حوله، يعكس أهمية الكتاب برمته وأهمية المعطيات الواردة فيه.
إنه كتاب يؤرخ للمقاومة المسلحة ولأشكال الاحتلال وسياساته، كما يؤرخ لميلاد فكرة الاستقلال، وللحركة الاستقلالية التي حملت الفكرة، كما أنه يتضمن معطيات ثمينة حول التلاحم القوي والعميق والصادق والنقي الذي جمع السلطان سيدي محمد بن يوسف والحركة الوطنية دفاعا عن استقلال البلاد ووحدته.