بمصادقة مجلس الحكومة في اجتماعه في ال31 من أكتوبر 2024، على المرسوم المتعلق بتحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، تكون الدبلوماسية المغربية باعتبارها قطاعا استراتيجيا، فتحت أفقا جديدا، قد يمكنها من التعامل مع التحديات والرهانات المطروحة بشكل مغاير ، وذلك انطلاقا من التحولات المتسارعة على الساحتين الإقليمية والجهوية والدولية، وفي مقدمتها ما تعرفه عدة مناطق من خلافات ونزاعات مسلحة، التي أدخلت العالم في مرحلة تتميز بسيادة اللايقين، ومناخ دولي يتميز بالتوتر والانقسام .
آراء أخرى
وإذا كان هذا المشروع يندرج في إطار التوجيهات الملكية المؤطرة للقضايا الإستراتيجية الوطنية المرتبطة بالشأن الدبلوماسي للمملكة المغربية، وبتحديد معالم السياسة الخارجية للبلاد، والدفاع عن المصالح العليا للمغرب وتعزيز مكانته كفاعل محوري على الساحة الدولية، وفق ما نقله بلاغ لرئاسة الحكومة عن وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لدى تقديمه لمشروع المرسوم رقم 2.24.957 الذي أوضح أنه يهدف إلى ” مراجعة وتحديث الهيكلة الإدارية الحالية للوزارة، بغية اعتماد هيكلة جديدة تمكن من أداء أكثر فعالية ونجاعة وشمولية لجميع الوحدات الإدارية، أخذا بعين الاعتبار مستجدات الممارسة الدبلوماسية والميادين الجديدة التي أصبحت من صلب اهتماماتها.
بيد أن ما يلاحظ، فرغم ما يكون لهذا المشروع من أهمية، فإنه لم يحظ، لحد الآن باهتمام المتابعين للشأن الدبلوماسي، ومن الباحثين والمحللين في مجال السياسة والعلاقات الدولية للمغرب، وكذلك بالنسبة لوسائل الاعلام التي اكتفت بإعادة نشر مضامين البلاغ الحكومي. لربما ذلك يعود الى اعتبار أن هذا المشروع الذي يتوخى “إعادة هيكلة الوزارة ” إجراء اداري روتيني صرف للإدارة، في الوقت الذي أكد الوزير على أن ذلك يهدف الى ” وضع الأسس الضرورية لضمان الفعالية والنجاعة في تدبير قضايا الدبلوماسية المغربية بالنظر إلى تحديات المرحلة الراهنة والمستقبلية ومستجدات الأحداث العالمية”.
وفق هذه المعطيات فإن الأمر على ما يبدوا لا يتعلق فقط، بإجراءات إدارية، ولكن يرتبط بسباق التحولات الكبرى التي يشهدها حاليا المحيط الإقليمي والدولي وما يعرف أزمات وحروب، وهو ما أدى الى متغيرات عددية خاصة منها على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وكانت لها انعكاسات بارزة على مختلف المناطق والأصقاع المعمور، ودشنت بذلك لمرحلة، نشهد في القرن الواحد والعشرين تحدياتها التي أصبحت تهدد الأمن والسلم الدوليين، مما جعل العالم يدخل مرحلة اللايقين، ساهمت في انبثاقه ظواهر الشعبوية التي اكتسحت الديمقراطيات العريقة، والتكنولوجيات الجديدة في مجال الاعلام والاتصال التي أصبحت عاملا أساسيا في التأثير على كل مناحي الحياة، وفي توجيه الرأي العام، وتحديد أولوياته .
وفي الوقت الذي كان العالم، يرنوا الى تحقيق الديمقراطية والعدالة ونشر والالتزام بمبادئ حقوق الانسان، يلاحظ العودة المكثفة الى سياسة القوة بأوجهها العسكرية، واعتمادها كاستراتيجية من أجل فرض الهيمنة، والرجوع الى سياسة المحاور، وتهديد الوحدة الترابية للدول، وطرحت، بعد ما يلاحظ من تغير في الفاعلين، طفت على السطح مفاهيم جديدة في التعامل مع القضايا الدولية، بعدما تم القطع في هذا المجال مع النظريات التقليدية التي سادت لردح من الزمن، وكانت تؤطر المنظرين والباحثين المنشغلين بمختلف مجالات الشأن الدولي.
وإذا كانت هذه المتغيرات الدولية المتسارعة، تطرح على الدبلوماسية المغربية بشقيها الرسمي والشعبي الموازي تحديات جديدة ورهانات متنوعة، تحتم عليها تطوير ما تحقق من مكتسبات، البحث عن السبل الكفيلة بالارتقاء بشكل أكبر في الطرق والأليات التي تسند عليها في عملها، وفق ديناميات متجددة، كثر فعالية، لمواصلة التموقع المطلوب على الساحة الدولية.
وعلى المستوى الوطني، فإن مرسوم تحديد اختصاصات وتنظيم الوزارة المكلفة بالشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي، يتزامن مع تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 31 أكتوبر، 2024 للقرار 2756، الذي يمدد ولاية المينورسو إلى غاية 31 أكتوبر 2025، والذي كان محل ترحيب المملكة المغربية، ويأتي في سياق يتسم بالمسار الذي لا رجعة فيه الذي رسمه جلالة الملك، في قضية الوحدة الترابية للمملكة، من خلال الدعم المتزايد للأعضاء الدائمين في مجلس الأمن والبلدان المؤثرة لمغربية الصحراء ومبادرة الحكم الذاتي المغربي، واستمرار سحب الاعتراف بـ “الجمهورية الصحراوية” الوهمية.
وفضلا عن أن القرار، الذي تم تبنيه، يحافظ على جميع المكتسبات التي حققها المغرب، كما يدرج أيضا عناصر جديدة مهمة للتطور المستقبلي للقضية داخل الأمم المتحدة، فإن الوزارة أكدت على أن النص الجديد في الواقع، يكرس الإطار والأطراف وغاية المسلسل السياسي، ويتبنى المجلس بذلك الدينامية الدولية التي يشهدها ملف الصحراء المغربية.
وبالعودة الى الهيكلة المقترحة، فمشروع المرسوم يوضح أنها تروم ” جعل المهام الدبلوماسية للمملكة المغربية تساير كل مجالات الأداء الدبلوماسي العالمي، وما يستلزمه ذلك من تنسيق وتشاور وأداء فعال ويقظة دبلوماسية ومزيد من المواكبة المستمرة، عبر إحداث وحدات إدارية جديدة وتحيين وتكييف بعض الوحدات الإدارية المكونة للهيكلة الحالية”، وهو الأمر الذي حذا بالوزارة الى تحويل المديريات العامة في الهيكلة السابقة على شكل ” أقطاب متجانسة ومتكاملة”، وهي قطب الشؤون السياسية وقطب الدبلوماسية الاقتصادية والتنمية الثقافية وقطب الشؤون الإدارية والعامة، فضلا عن تغيير اسم ” الأكاديمية المغربية للدراسات الدبلوماسية” لتحمل اسم ” المعهد المغربي للتكوين والأبحاث والدراسات الدبلوماسية”.
ويلتزم مشروع المرسوم في هذا الصدد اعتماد مقاربة تستجيب لتنزيل أهداف استراتيجية الدبلوماسية المغربية والمتعلقة خصوصا بقضايانا الوطنية وإشعاع بلدنا على المستوى العالمي، مما يفرض إعادة النظر في آليات اشتغال وحدات الوزارة ووسائل تدخلها”.
وانطلاقا من هكذا معطيات دولية ووطنية، يظل السؤال المطروح، كيف ستتمكن الوزارة بعد تحديد اختصاصاتها وهيكلتها مستقبلا من ترجمة المقاربة التي أقرتها الوزارة التي قالت بأنها تجمع بين روح المبادرة ومقومات الصمود، من أجل انتهاج دبلوماسية فاعلة متزنة واضحة وطموحة تكون كفيلة برفع هذه التحديات غير المسبوقة والتقليل من مخاطرها وأثارها، من خلال اقتناص الفرص الكامنة في طياتها وترجمتها في إنجازات تروم تعزيز مكانة المغرب على الساحة الدولية والدفاع عن مصالحها العليا.