في تجسيد للوعي العميق بأهمية الحفاظ على مكونات الهوية المغربية، واعتزاز بالعمق الحضاري والثقافي الذي يميز المملكة المغربية، احتفلت هيئة المحامين بالرباط لأول مرة بـ”إيض يناير” أو رأس السنة الأمازيغية، الذي تفضل الملك محمد السادس بإقرار عطلة رسمية مؤدى.
ونظّمت الهيئة سالفة الذكر، مساء اليوم الاثنين بالعاصمة الرباط، حفلا مميزا بهذه المناسبة، عرف حضور شخصيات دبلوماسية وقضائية وسياسية إلى جانب عدد من المحامين والفاعلين الثقافيين، وشهد عروضا فنية قدمتها فرق موسيقية محلية، أبهرت الحاضرين بإيقاعاتها وألحانها التي تعكس غنى وتنوع الثقافة الأمازيغية، من الريف إلى سوس مرورا بالأطلس، إضافة إلى تنظيم معرض للمنتجات التقليدية الأمازيغية؛ الشيء الذي جعل من هذا الحدث لحظة استثنائية تجمع بين الفخر بمقومات الهوية الوطنية وبين تعزيز قيم التنوع الثقافي الذي يميز المغرب.
في كلمة له بهذه المناسبة، قال عزيز رويبح، نقيب هيئة المحامين بالرباط، إن “هذه اللحظة تتجاوز مجرد الاحتفال بـ’إيض يناير‘ أو رأس السنة الأمازيغية، لتشكل لحظة احتفاء بالوطن وبهويته المركبة”، مضيفا: “هي لحظة لنشارك المغاربة الاحتفال بهذا اليوم الذي حافظوا عليه وظلوا يحتفون به لمدة قرون من الزمن، منذ حقب تسبق الوجود الإسلامي في المغرب؛ غير أن الاحتفال به امتد وتكيف مع الثقافة العربية الإسلامية واستمر وأصبح جزءا من ثقافتنا وهويتنا”.
وزاد قائلا: “هي إذن لحظة انتشاء بمعنى ومفهوم الوطن بجذوره الضاربة في عمق التاريخ، وهي أيضا لحظة للوقوف على ما عرفه المغرب من تراكمات في علاقته بهويته”، مستحضِرا خطاب أجدير للملك الراحل محمد الخامس وخطابات الملك محمد السادس التي تعكس “تاريخا متواصلا من الدفاع عن الحرية والاستقلال ووحدة الوطن، وعن المغرب كما نريده وكما حلمنا ونحلم به”.
وشدد رويبح على أن “خطاب أجدير كان لحظة فاصلة وحاسمة في تاريخ المغرب، حيث طوى مرحلة اتسمت بإهمال الأمازيغية وتبخيسها، والتعامل معها كمجرد فلكلور وثقافة ترف أكثر من كونها ثقافة عمق وثقافة وطن”، مؤكدا أن “هذا الخطاب التقت فيه إرادة ملك وإرادة قوى حية ونخبة وطنية ظلت تدافع عن الأمازيغية. وكان لحظة فارقة استتبعها إقرار ترسيم الأمازيغية في دستور 2011، قبل أن يتوج المغرب هذا المسار بجعل رأس السنة الأمازيغية عيدا وطنيا لكل المغاربة”.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أوردت فتيحة أشتاتو، محامية بهيئة الرباط، أن “اختيارنا للاحتفال برأس السنة الأمازيغية جاء لنبين للعالم أننا، ورغم اختلاف ثقافاتنا وتقاليدنا، نشكل وحدة واحدة ووطنا واحدا يجمعنا شعار واحد: الله – الوطن – الملك”.
وتفاعلا مع سؤال للجريدة حول دور أصحاب البذلة السوداء في دعم وتسريع ورش إدماج الأمازيغية في مجالات الحياة ذات الأولوية، خاصة في منظومة العدالة، أكدت المتحدثة ذاتها أن “المحامي كان دائما مدافعا عن حقوق الإنسان، وهذا هو دورنا. فقد دافعنا عن الأمازيغية لكي ترسم، وقد تحقق ذلك بإرادة ملكية”، مستدركة: “صحيح أن هناك بعض التأخير في تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، خاصة عندما نتكلم عن القضاء والعدالة، لأنه هناك مغاربة لا يفهمون ولا يتحدثون العربية. لا بد أن نسهل لهم الولوج إلى مرفق العدالة، بما في ذلك اللغة.. ونتمنى أن تُعمم اللغة الأمازيغية، ولِمَ لا تصبح لغة عالمية تنتشر في باقي بقاع العالم”.
في سياق مماثل، قال حسن إد بلقاسم، محامٍ بهيئة الرباط وفاعل أمازيغي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن “مشاركة هيئة المحامين بالرباط في الاحتفال برأس السنة الأمازيغية لأول مرة يعكس النمو المتزايد للوعي الثقافي والوعي بالهوية الثقافية المغربية والوعي بالتاريخ والحضارة المغربية، وهذه مسألة إيجابية”.
وتابع أن “العالم الأمازيغي في شمال إفريقيا كان يحتفل بهذه المناسبة؛ لكن اليوم في المغرب، وعلى غرار السنة الماضية، أصبح الاحتفال بها رسميا وعلنيا، إذ من غير الإيجابي تجاهل هذه المناسبة”، مؤكدا أن “نضالات الحركة الحقوقية التي تضم المحامين، وكذا الحركة الثقافية الأمازيغية التي تضم هي الأخرى محامين، هي التي دفعت المغرب والدولة ليقرر الملك محمد السادس ترسيم رأس السنة الأمازيغية. وهذا يعد اعترافا بالامتداد التاريخي للدولة المغربية الذي يعود إلى أكثر من 2975 سنة خلت”.
وخلص إلى أن “المراحل المقبلة تستلزم من الحركة الثقافية الأمازيغية والحقوقيين والجمعيات وضع استراتيجيات جديدة من أجل جعل الاحتفال بـ’إيض يناير‘ احتفالا من أجل التنمية”.