حرصت ألمانيا بشدة خلال العقدين الماضيين على تقديم نفسها للعالم كدولة رائدة بالصناعات والتنمية الاقتصادية وبعيد كل البعد عن الطموحات السياسية أو الاستعمارية في الخارج، بل عملت على تعميق صورتها كقائد لاقتصاد الاتحاد الأوروبي وكدولة تسعى للتنمية والتعاون الاقتصادي فقط مع دول العالم.
حيث نجحت ألمانيا في تحييد نفسها عن الصراعات السياسية والعسكرية في العالم، وأظهرت أن دورها الأمني والعسكري الخارجي يقتصر فقط على العناصر الذين تنشرهم مع قوات الأمم المتحدة هنا وهناك. ولكن وبحسب بعض الخبراء فهذا لا يعني أبداً أن ألمانيا لا تخطط وتعد استراتيجيات وخطط خارجية تستهدف دولاً بعينها وبدأت فعلاً بتنفيذها تحقيقاً لمصالح سياسية وعسكرية لاستعادة نفوذها المفقود.
- خبراء ألمان في ليبيا.. تدخل ألماني مباشر بملف النفط الليبي
نقلت بعض وسائل الإعلام وصفحات التواصل نقلاً عن شهود عيان بعض المعلومات والصور حول تواجد خبراء ومتخصصين ألمان في “مصفاة الزاوية” النفطية، وبحسب المصادر، فقد غادر الوفد يوم الأربعاء 23 أكتوبر الجاري بعد حصول اشتباكات في محيط المصفاة.
ونقل حساب على منصة “إكس” بعنوان “تحت طاولة المؤسسة الوطنية للنفط” صورا لسيارة الوفد وهي تغادر المصفاة في اتجاه مقر السفارة الألمانية في العاصمة طرابلس دون أي أضرار إثر الاشتباكات في محيط السفارة ناتجة بعد خلافات عصفت بالملف النفطي الليبي خلال الأشهر الماضية إثر أزمة المصرف المركزي الليبي واستقالة مديره.
وحول هذه الأنباء علّق الباحث في الشأن الليبي محمد عبد السلام الطرابلسي، بأن برلين بدأت بالفعل عبر مجموعات صغيرة من المتخصصين والخبراء بالسيطرة على عمل مصافي النفط الليبية ونشاط المؤسسة الوطنية للنفط. وأن ألمانيا تواصل تقوية نفوذها في ليبيا عبر بوابة التعاون مع الإيطاليين بشأن ملف النفط الليبي وتأمين احتياجات الاتحاد الأوروبي من إمدادات الطاقة بعد انقطاع إمدادات الغاز الروسي إثر الحرب الروسية الأوكرانية.
ومنذ ذلك الحين سارعت برلين إلى التخطيط للسيطرة على نشاط المؤسسة النفطية الليبية ومنافسة الإيطاليين والفرنسيين وهو ما سوف يخلق أزمة سياسية كبيرة بين الحلفاء الأوروبيين، وبطبيعة الحال سوف يؤثر على اقتصاد الشعب الليبي ويمس لقمة عيشه بشكل مباشر.
- خطط ألمانيا لتعزيز نفوذها بسوق النفط الليبية
وضعت برلين استراتيجية شاملة للتواجد في القارة الإفريقية بأساليب مختلفة ومن خلال الدول الشريكة والشركات العابرة للحدود. لاسيما أنها لا تريد أن تثير انتباه أصدقائها المباشرين من الدول الأخرى الراغبة بالتواجد والتعاون مع الدول الأفريقية. وبالوقت نفسه تسعى ألمانيا لإخفاء هذه السياسة عن الداخل الألماني لتجنب الحاجة إلى تنسيق السياسة والخطط الاستراتيجية عبر المؤسسات الرسمية.
وكثيرا ما أعلنت ألمانيا أن علاقتها بالدول الإفريقية تقتصر على تبادل الزيارات الدبلوماسية الرسمية وعقد مؤتمرات القمة ومراكز التعاون الاقتصادي، والوساطة لحل الخلافات السياسية، وأبرزها كان المؤتمر الرسمي في عامي 2020 و2021 للتشاور حول الحلول للأزمة الليبية.
وبحسب كثير من الخبراء والمراقبين، فإن السبب الرئيسي لتوجه ألمانيا نحو القارة السمراء وليبيا تحديداً هو أطماعها الاقتصادية وخاصة بملف الطاقة والذي من المرجح أن يتوسع مستقبلاً لأكثر من ذلك على حد قول الباحث السياسي والخبير في الشؤون الإفريقية عطاف محمد مختار في حديث لموقع “رؤية”.
- مؤتمرات السلام الألمانية لحل الأزمة الليبية استراتيجية لتعزيز النفوذ في سوق النفط الليبي
وتوظف ألمانيا العديد من المنظمات المدنية والإنسانية والاقتصادية الألمانية في خدمة هذا الملف، عبر التخفي وراء أهداف معلنة كتطوير التعاون الاقتصادي مع أفريقيا. وأبرز تلك المنظمات جمعية الأعمال الألمانية الأفريقية ومنتدى الأعمال الألماني الأفريقي، بالإضافة للمجلس النرويجي للاجئين الذي تدعمه برلين لنفس السبب.
ويرى الباحث السياسي المتخصص بالعلاقات الأوروبية الأفريقية عصام الأغواني أن مؤتمر “برلين 1” عام 2020 و “برلين 2” عام 2021 كانوا بمثابة تمهيد للتدخل الألماني بالملف الليبي من باب اقتصادي ووساطة سياسية، بدليل أن مخرجات المؤتمرين لم تساهم أبداً في حل الأزمة الليبية وأنهاء معاناة الشعب الليبي، بل على العكس زاد انتشار المرتزقة والجماعات المسلحة وتعقد الصراع وتعمّق الخلاف.
*- باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.