أعادت الصعوبات التي تواجهها المقاولات الصغرى والمتوسطة في الولوج إلى التمويل، وما يتمخض عن ذلك من أرقام مهولة لإفلاس المقاولات، والتي بلغت 40 ألف مقاولة في سنة 2024، طرح علامات استفهام حول فعالية برنامج “انطلاقة”، ومدى نجاحه في تحقيق أهدافه المتمثلة أساسا في توفير التمويل لهذه الفئة التي تمثل الأغلبية الساحقة في النسيج الاقتصادي الوطني.
وبعد حماس البدايات، تراجع في الآونة الأخيرة زخم البرنامج الذي انطلق تنفيذا لتوجيهات ملكية، بغية مواكبة وتمويل المقاولات الصغرى وحاملي المشاريع، شاملا عدة أبعاد أهمها قروض الاستثمار وقروض التشغيل لفائدة المقاولات التي لا يتجاوز رقم معاملاتها السنوي 10 ملايين درهم، باستثناء قطاعات الفلاحة والترويج العقاري والصيد في أعالي البحار.
لكن “بيروقراطية” معقدة دفعت العديد من الراغبين في الاستفادة إلى صرف النظر عن البرنامج في نهاية المطاف، معربين عن استيائهم ومطالبين بإصلاحات جذرية له، وهو واقع يرجع وفق مصادر “مدار21” داخل القطاع البنكي إلى “عدم تحمس الكثير من المؤسسات البنكية للبرنامج”.
وعزا المصدر تراجع زخم “انطلاقة” لما تعانيه المؤسسات البنكية بدورها من تعقيدات لاستعادة أموالها في حال فشل المشروع المموّل، على الرغم من الضمانات التي يوفرها البرنامج نظرياً.
وتفادياً لهذه المخاطر، يضيف المصدر ذاته، أرست مجموعة من المؤسسات البنكية شروطا “شبه تعجيزية” ومساطر معقدة لمنح القروض، ما أفرغ البرنامج تقريبا من محتواه وجعل تأثيره الاقتصادي على صغار المقاولات وحاملي المشاريع يكاد لا يكون محسوساً.
هذه الاختلالات وأخرى دفعت البرلمان، خلال السنة الماضية، لتكليف المجلس الأعلى للحسابات بإجراء مهمة تحقيق لبحث وتقييم البرنامج، حيث تم تزويد قضاة المجلس بمعطيات للتحقق من سلامة مساطر منح القروض والتمويلات، وكذا المعايير المعتمدة في قبول أو رفض المشاريع.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس الكونفدرالية المغربية للمقاولات الصغرى والمتوسطة، عبد الله الفركي، أن الكونفدرالية شاركت في تقييم برنامج انطلاقة مع المجلس الأعلى للحسابات بطلب من البرلمان، لكننا ما نزال في انتظار النتائج إلى حدود الساعة.
وشدد على أن البرنامج بالإضافة إلى برامج أخرى مثل “فرصة” لم تقدم الدعم المتوخى منها للمقاولات الصغرى والمتوسطة وحملة المشاريع، مشيراً إلى أن “اختناق هذه الفئة من المقاولات مرده تحديداً للصعوبات التي تلقاها على مستوى التمويل البنكي “لأن الأبناك بدورها تعتبر أن الحكومة تخلت عنها لاسيما في ما يتعلق ببرنامج انطلاقة”.
وقال إنه إذا كانت هناك نسخة ثانية من البرنامج فمن الضروري قبل ذلك أن يتم تدارك الخلل الذي شابه، حتى لا تتكرر نفس الأخطاء.
ولفت إلى أن النهوض بالمقاولات الصغرى والمتوسطة أصبح حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى، لا سيما بعد وصول البطالة إلى أكثر من 21 في المئة، واستحواذ القطاع غير المهيكل على 73 في المئة من اليد العاملة بالمغرب، واقتران كل ذلك بإعلان حوالي 40 ألف مقاولة صغيرة جدا وصغرى ومتوسطة إفلاسها في سنة 2024، خصوصا المقاولات ذات الطابع الذاتي التي تمثل 66 في المئة منها.
