الإثنين, مارس 3, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيهل حان الوقت لجعل الشركات تدفع ثمن الأوبئة الصامتة بالمغرب؟

هل حان الوقت لجعل الشركات تدفع ثمن الأوبئة الصامتة بالمغرب؟


في المغرب، يشكل العبء الصحي الناتج عن الأمراض المزمنة والسارية تحديًا متزايدًا، إذ تُسجل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، السكري، والسرطان، إلى جانب الأمراض التنفسية التي تفاقمت بسبب التدخين والتلوث البيئي. هذه الأمراض لا تؤثر فقط على صحة المواطنين، بل تُلقي بثقلها على ميزانية القطاع الصحي الذي يعاني أصلًا من نقص الموارد البشرية والتمويل المستدام. مع تزايد الضغط على المستشفيات والمراكز الصحية، أصبح من الضروري البحث عن حلول تمويلية جديدة لتعزيز قدرات النظام الصحي ومواكبة الطلب المتزايد على العلاجات والأدوية المتخصصة.
من بين الحلول الممكنة، يبرز خيار فرض ضريبة على الشركات المصنعة للمنتجات التي تُعتبر من العوامل المسببة للأمراض، مثل التبغ، المشروبات السكرية، الزيوت المهدرجة، والمضافات الكيميائية الضارة. الفكرة تقوم على مبدأ “الملوِّث يدفع”، حيث تتحمل الشركات المنتجة لهذه المواد جزءًا من التكلفة الاجتماعية والصحية الناتجة عن استهلاك منتجاتها. في دول متقدمة مثل المملكة المتحدة وفرنسا، ساهمت ضرائب السكر والتبغ في خفض معدلات الاستهلاك، وفي نفس الوقت وفّرت موارد مالية لدعم برامج التوعية الصحية والعلاج المبكر للأمراض المرتبطة بالتغذية غير الصحية.
على المستوى الوطني، يُقدر أن علاج الأمراض المزمنة يستهلك أكثر من 50% من نفقات التأمين الصحي الإجباري، مما يعكس الحاجة الملحة لتخفيف الضغط المالي عن صناديق التغطية الصحية. في المقابل، تحقق شركات المشروبات الغازية، الأطعمة المصنعة، والتبغ أرباحًا ضخمة دون المساهمة المباشرة في تحمل تداعيات منتجاتها على الصحة العامة. تطبيق ضريبة على هذه المنتجات قد يُشكل وسيلة فعالة ليس فقط لتمويل القطاع الصحي، بل أيضًا لتشجيع الصناعات الغذائية على تقديم بدائل صحية أقل ضررًا للمستهلكين.
المعارضة لهذا التوجه تأتي من عدة جهات، أبرزها اللوبيات الصناعية التي تُحذر من تأثير الضرائب على القدرة الشرائية للمستهلكين وعلى الاستثمار في قطاع التصنيع. إلا أن التجربة الدولية أثبتت أن هذه المخاوف غالبًا ما تكون مبالغ فيها، حيث لم تؤدِّ الضرائب الصحية إلى انهيار الأسواق، بل دفعت الشركات نحو البحث عن منتجات أكثر توافقًا مع معايير الصحة العامة. إضافةً إلى ذلك، فإن فرض ضرائب محددة الأهداف سيمكن الحكومة من إعادة استثمار العائدات الضريبية في تطوير البنية التحتية الصحية وتحسين جودة الرعاية الوقائية والعلاجية.
على المستوى القانوني، يمكن أن يتم فرض هذه الضريبة تدريجيًا، بحيث تشمل في البداية المنتجات الأكثر ضررًا، مثل المشروبات الغازية ذات المحتوى العالي من السكر، والوجبات السريعة الغنية بالدهون المتحولة، ثم يتم توسيعها لاحقًا لتشمل المنتجات الأخرى التي تساهم في انتشار الأمراض المزمنة. هذه الخطوة تتطلب توافقًا بين مختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين، إلى جانب إشراك المجتمع المدني في النقاش لضمان نجاح الإصلاحات المقترحة.
رغم التحديات الصحية المتزايدة التي يواجهها المغرب، لا يزال صندوق المقاصة يوجه دعمًا ماليًا ضخمًا نحو بعض المواد الغذائية التي يرتبط استهلاكها المفرط بارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، وعلى رأسها القمح اللين والسكر. في عام 2023، بلغت ميزانية دعم السكر حوالي 4 مليارات درهم، بينما خُصصت مبالغ كبيرة لدعم الدقيق الوطني للقمح اللين، مما يضمن بقاء أسعار هذه المواد منخفضة بشكل مصطنع، وهو ما يشجع على استهلاكها بكميات كبيرة دون اعتبار للآثار الصحية المترتبة عنها.
توصي منظمة الصحة العالمية بتقليل دعم المواد غير الصحية وإعادة توجيه السياسات المالية نحو تعزيز الوصول إلى أغذية صحية ومتوازنة. في هذا السياق، يمكن للمغرب أن يتبنى إصلاحًا تدريجيًا لمنظومة الدعم، بحيث يتم خفض دعم السكر والقمح اللين لصالح تمويل برامج تعزيز الصحة العامة، مثل تشجيع استهلاك الحبوب الكاملة والخضروات والفواكه، ما سيساهم في تحسين جودة التغذية الوطنية وخفض العبء الصحي على المدى الطويل.
يُعَدُّ استهلاك السكر من القضايا الصحية البارزة، حيث يصل متوسط استهلاك الفرد إلى 36 كيلوغرامًا سنويًا. هذا الاستهلاك المفرط يرتبط بارتفاع معدلات السمنة وداء السكري، حيث يعاني 20% من السكان من السمنة، ويُشخَّص 33% بداء السكري. ولكن رغم هذا التحدي، لا تزال الحكومة تدعم أثمنة السكر، وفي نفس الوقت قامت بزيادة ضريبة القيمة المضافة وفرضت ضرائب على المنتجات السكرية. ومع ذلك، لا تزال التكاليف الصحية والاقتصادية المرتبطة بالاستهلاك المفرط للسكر مرتفعة، مما يستدعي إعادة النظر في سياسات الدعم والضرائب لتعزيز الصحة العامة.
تُظهِر التجارب الدولية أن الضرائب المفروضة على المنتجات الضارة بالصحة تُعَدُّ من أكثر السياسات فعالية من حيث التكلفة لتحسين الصحة العامة. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن زيادة الضرائب التي تؤدي إلى رفع أسعار التبغ بنسبة 10% يمكن أن تخفض استهلاك التبغ بنحو 4% في البلدان ذات الدخل المرتفع، وبنحو 5% في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. هذا الانخفاض في الاستهلاك يساهم في تقليل معدلات الأمراض المرتبطة بالتدخين، مثل أمراض القلب والسرطان، ويخفف من العبء المالي على أنظمة الرعاية الصحية.
في ظل الإصلاحات الصحية التي يشهدها المغرب، سيكون من الضروري تبني سياسات ضريبية أكثر جرأة لتحفيز الأنماط الاستهلاكية الصحية وتقليص العبء المالي للأمراض على النظام الصحي. فهل سيكون للسلطات الجرأة السياسية الكافية لاتخاذ هذه الخطوة، أم أن نفوذ الشركات الكبرى سيبقى عائقًا أمام إصلاح طال انتظاره؟.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات