الأحد, مارس 23, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيهكذا شوهت "ظواهر" طارئة نبل الرسالة الإعلامية وجعلتها مسخا قوامه التشهير والابتزاز 

هكذا شوهت “ظواهر” طارئة نبل الرسالة الإعلامية وجعلتها مسخا قوامه التشهير والابتزاز 


سمير الحيفوفي

في ظل الزخم الذي ولَّدته الثورة الرقمية، فقد مفهوم الإعلام القائم على الإخبار والإفهام كما كان سائدا في وقت سابق في المغرب البوصلة، وتاه معه الرأي العام، بعدما تطاولت “ظواهر” طارئة على مشهد اختلط فيه الحابل بالنابل، فكان أن انقسم إلى صحفيين تتلمذوا على مدارس تقدس الخبر، وبين مارقين يفترون على التعبير ويشوهون ملامحه، وهم يتجاوزن كل الخطوط ويدكون القوانين والأعراف والقيم والأخلاقيات دكا بجهلهم وجهالتهم.

وهكذا برزت “ظواهر” تنسب نفسها قسرا إلى الإعلام، وتشوه رسالته المقدسة قهرا، في حل من أي تعهدات أو مواثيق، بعدما وجدوا في العالم الرقمي، مطية يدخلون بها على بيوتات الناس، ليطلقوا الكلام على عواهنه، يهرفون بما لا يعرفون، ولا يلتزمون أدنى قواعد الحيادية، وغايتهم ليست تشكيل رأي عام أو رص الصفوف بقدر ما تنحاز إلى التربح من ريع الرقمنة، وإن تفتت عضد الناس وأوهنوا الوطن، كانعكاس لما يقترفونه، فإنهم لا يبالون بذلك.

وفجأة أصبح المشهد الإعلامي منقسما بين معشر الصحفيين وعشيرة المارقين، فكما أن الأوائل يزاولون الحرفة بتجرد وموضوعية، وتحت قيود القوانين والضوابط التي تحترم الرأي والرأي الآخر، وتدع للقاريء أو المتتبع، المساحة اللازمة لتشكيل رأيه، كل حسب ما نهل منه واعتبارا لتنشئته الاجتماعية، بينما الآخرون، يتلقفون المواضيع ويزجون بالذاتية فيها، يأدلجون ويمررون رسائلهم المسمومة، بلا حسيب ولا رقيب، في استغلال صارخ منهم للفوضى التي أصبحت سيدة الموقف وتعم العالم الرقمي.

وإذ يتحرى إعلاميو التكوين والصحفيون الذين هم بالسليقة يؤمنون بمقولة “ما لله لله وما لقيصر لقيصر”، فإن المارقين تراهم متربصين ومتلونين يتحولون من أقصى اليمين على أقصى الشمال يمجدون كل ما يخالف القانون وسلطته ويزدرون النبل المفترض في الصحفيين والإعلاميين عموما، حتى حادت الثورة الرقمية عن مسارها، عن سبق إصرار من الطارئين الجدد، وفقدت السيطرة على مفهوم الإخبار والإفهام، ليصبح مسخا متمثلا في التعرض للأعراض والتشهير والابتزاز، ومجالا لترويج الأخبار الزائفة.

ومع مرور الوقت تحول الاستثناء إلى قاعدة، فأصبح المارقون هم من يتسيدون المشهد ويبسطون هيمنتهم عليه، يسممون العقول، ويرمون بخزعبلاتهم على مرأى ومسامع الجميع، بعدما جعلوا من الإعلام عموما والصحافة خصوصا، رهينة مكبلة تحت أقدامهم، يدوسونها، ويدنسون رسالتهما المقدسة، في انتهاك صارخ لكل الأعراف، وفي تقعيد سافر لفوضى لا تخدم إلا النفوس المريضة التي تتدثر وراء متراس الإعلام والصحافة، لتقضي ما تراه يتماشى وفق أهوائها وينسجم وتصفية حساباتها الفردانية.

ولقد بلغ الوضع مبلغا، بعدما فُسِح المجال، للمارقين، وجرى التطبيع مع ما يعيثونه من فوضى وتسيب، فكان أن نبتت المواقع الإلكترونية والقنوات الـ”يوتيوبية” مثل الفطر، وانتشرت الميكروفونات وأصبح الجميع صحفيا، بلا صفة، وبلا تكوين، يؤتون سلوكيات تجعل الصحفيين الحقيقيين، ممن تشربوا قواعد واساسيات العمل الصحفي، وممن يعرفون المحاذير ويؤمنون بأن الرسالة الإعلامية سلاح ذو حدين، يربؤون بأنفسهم أن يكون ضمن مشهد يبعث على التقزز، والاشمئزاز.

ولأن الطبيعة لا تحب الفراغ، مثل الفراغ الذي خلفه تقاعس المؤسسات المعنية في ترتيب المشهد الإعلامي وتصويبه، فقد أصبح الوضع شائنا، لكنه أيضا ينذر بالأسوأ إذا ما ترك الحبل على الغارب، ولم تجفف منابع الفوضى وتجتث من المشهد الإعلامي المغربي، الشوائب التي لا تقيم وزنا للقيم ولنبل الرسالة الإعلامية، وتشوه مفهوم الإخبار والإفهام ليصبح معوجا وعاكسا للأخبار الزائفة وللتشهير والابتزاز وتصريف العداوات والضغائن، بما يضرب في الصميم الأمن الإعلامي للمغاربة قاطبة، ويجعلهم في مهب نزوات مرضى لا يبغون للوطن ولا للمواطنين خيرا، ولا يهم إلا أن يربوا حساباتهم من الـ”أدسنس”.

أي نعم الآن أصبح الأمن الإعلامي للمغاربة مهددا قبل أي وقت مضى، لكن الأوان لم يفت بعد، وتطهير المشهد الإعلامي من جديد يمر وجوبا عبر إعمال القانون وجعله سيدا على الجميع، مثلما هو يسري على الصحفيين، وإذ لا يفقه المارقون أنه أيضا يسري عليهم، فإن في الزجر ما قد يفيد ويسد الطريق أمام المتهافتين على التربح من بيع الكلام بلا قيود، ومن تسويق الترهات، دون إيلاء الاهتمام للسر السحري والذي هو ليس كل ما يعرف يقال، إلا بعد التبين والتدقيق، وعدم مصادرة حق الآخر في الدفاع عن نفسه، لكن الطارؤون لا يفقهون ذلك لو يعلمون.





Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات