يستهدف المغرب بحلول سنة 2030 تلبية 4 في المئة من الطلب العالمي على “نفط المستقبل”، أي الهيدروجين الأخضر. وفي سبيل ذلك تستثمر المملكة ما مقداره حوالي 100 مليار درهم في إطار “العرض المغربي”، مستهدفة إنتاج 3 ملايين طن من مادة الأمونياك وتصدير 10 تيراوات من الهيدروجين الأخضر.
ويستثمر المكتب الشريف للفوسفاط وحده 70 مليار درهم في إطار مشروعه الخاص للهيدروجين الأخضر المنفصل عن “العرض الوطني” الحكومي، والذي يستهدف بحلول سنة 2030 تصدير 10 تيراوات من تلك الطاقة للاتحاد الأوروبي وضخ 4 تيراوات في السوق المحلية.
بِمَ يتعلق الأمر؟
ليسَ الهيدروجين في حد ذاته بالمادة المستجدة، المستجد الثوري في السوق العالمية هو “الهيدروجين الأخضر”، والذي يُقصد به إنتاج الهيدروجين بواسطة عملية صناعية تسمى “التحليل الكهربائي”، والتي تتم من خلال فصل جزيئات الهيدروجين عن الأوكسجين في ذرة الماء، باستخدام الطاقات المتجددة.
ويهدف ذلك، وفقا للخبراء، إلى تفادي التلوث الناجم عن العملية، لكون التحليل الكهربائي عملية مستهلكة كبيرة للطاقة، وفي حال استخدام الفحم أو الغاز لإنتاج الكهرباء بواسطتها تصبح عملية ملوثة بالإضافة إلى كونها مكلفة.
وبشكل عام، يُمكن استخدام الهيدروجين الأخضر في إنتاج مادة “الأمونياك” التي توظف بدورها في العديد من الصناعات عالية القيمة المضافة، أو لتوليد الكهرباء أو تشغيل المحركات؛ ما يعني أنه سيصبح بالإمكان مستقبلا الاستعاضة عن النفط، ولو جزئيا، في تشغيل وسائل النقل، حتى الكبيرة منها، على غرار الشاحنات والسفن.
البيئة في طليعة المستفيدين
واعتبر نزار المازني، المسؤول بالوكالة المغربية للطاقة المستدامة (مازن)، أن الهدف الأساسي من “العرض المغربي” للهيدروجين الأخضر، والتوجه نحو الطاقات المستدامة بشكل عام، هو قبل كل شيء مواجهة التغير المناخي والحد من الاحتباس الحراري.
وفي هذا السياق، أضاف المسؤول، الذي كان يتحدث خلال ندوة على هامش معرض “إليك إكسبو” المقام بالدار البيضاء ما بين 27 و30 نونبر الجاري، أن الهيدروجين الأخضر مادة مثيرة للاهتمام بالنسبة لقطاعات متعددة، من قبيل الإسمنت والأسمدة الكيماوية، التي ستكون في حاجة ماسة مستقبلا لوقود نظيف، لا سيما أنه من بين كل الخيارات المتاحة يُعد الهيدروجين الأخضر الأكثر تنافسية اقتصاديا.
وفي هذا السياق، خصصت الحكومة المغربية 20 مليون هكتار من الوعاء العقاري للمستثمرين الراغبين في تطوير المشاريع المنضوية تحت لواء العرض المغربي للهيدروجين الأخضر.
الاعتبار الاقتصادي حاضر أيضا
من جهته، اعتبر مراد حجاجي، المدير العام لمجموعة “Cluster Green H2″، التي تعد أول هيئة مغربية متخصصة في الهيدروجين الأخضر، أنه علاوة على البعد البيئي يبقى الاعتبار الأساسي بالنسبة للشركات الصناعية هو إحداث المزيد من الثروة عبر الاقتصاد في التكاليف.
ولفت إلى أن التوجه الوطني يروم تشجيع “المشاريع المندمجة”، التي لا تكتفي بمعالجة جزء من سلسلة القيمة؛ أي المشاريع ذات التأثير على مجالات متعددة كإحداث فرص الشغل والبنيات التحتية من طرق وموانئ، مما من شأنه تغيير وجه عدة جهات بالمملكة مستقبلا، ضاربا المثل بمدينتي الداخلة وطاطا اللتين تتموقعان بشكل واضح في هذه المنظومة.
وأضاف أن “المغرب يَسعى لأن يكون رائدا في مجال البحث التعاوني، ذلك أن البحث والتطوير يلعبان دورا كبيرا في هذا القطاع، بحكم أن الهيدروجين الأخضر يعد مادة حديثة العهد في العالم بأسره، وما زالت تخضع لأبحاث”.
وأفاد بأن البحث التعاوني هو نوع من البحوث يُشرٍك في الوقت ذاته الشركات الصناعية المعنية والجامعات ومؤسسات البحث، بغية الاستجابة لمشاكل ملموسة للصناعة وتكييفها تكنولوجيا وخفض التكاليف ولا سيما تطوير منتجات جديدة.
وأوضح أن سلسلة قيمة الهيدروجين الأخضر كبيرة ومعقدة، فهي تبدأ بتحلية مياه البحر وتنتهي عند التحليل الكهربائي والنقل والتخزين… “تلك مهن دقيقة ومتشعبة، عادة ما يضبط الفاعل الواحد مهنة دون الأخريات، مما يبرز أهمية وجود هيئة ساهرة على توحيد الجهود والتنسيق بينها”.
ما القطاعات المعنية؟
بدوره، تناول المازني القطاعات المعنية بهذا المشروع الضخم، قائلاً إنه بالنسبة للاستهلاك الوطني، لدى المغرب مستهلك طبيعي للهيدروجين الأخضر، يتعلق الأمر بالمكتب الشريف للفوسفاط، الذي أعدّ برنامجه الخاص المنفصل عن العرض المغربي، “بما أن المكتب يستهلك وحده سنويا نحو مليونَي طن من الأمونياك، المادة الممكن إنتاجها من الهيدروجين الأخضر”.
وتابع: “أما العرض المغربي فهو إطار استثماري سيتيح للمستثمرين الأرضية حيث يمكنهم تطوير المشاريع الأكثر اقتصادية وتنافسية”، مشيراً إلى أن الأمر متروك للمستثمر لاختيار القطاع الذي سيشتغل معه والسوق الذي سيضخ فيه منتجاته.
وأضاف: “ما سيحدد القطاعات المعنية هو الزبون النهائي والطلب”؛ فبحكم أن سوق الهيدروجين الأخضر تعد سوقا حديثة التكوين، ما زالت الرؤية غير واضحة في هذا الصدد، غير أن المسؤول ذكر وجود “إرهاصات أولية لبداية الطلب”.
ومن جهته، شدد عبد الرحيم الطيبي، مدير المعهد المغربي للتقييس (إيمانور) على أن الهيدروجين الأخضر لا يشذ عن السياق التجاري والاقتصادي العالمي؛ “هناك طلب وأسواق، أسواق باتت متطلبة في ما يتعلق بالحياد الكربوني، وتفرض وستفرض ضرائب عند الحدود على الكربون ما يطرح تحديات أمام الصادرات المغربية”.
وتابع: “نحن مطالبون إذن بإيجاد بدائل لتلبية حاجيات الأسواق بأقل التكاليف، والهيدروجين من بين الخيارات المتاحة لتحقيق ذلك”، مضيفا “أنه يتيح الإنتاج بنفس المردودية مع تكاليف أقل، ما يسمح بالتالي بالولوج إلى الأسواق الدولية”.
تجدر الإشارة إلى أن فعاليات معارض “‘”EneR Event” ،”elec expo” و”Tronica expo”، تتواصل من 27 إلى 30 نونبر 2024 بمركز معارض الدار البيضاء، بمشاركة أزيد من 160 شركة دولية من عدة بلدان، في مقدمتها موريتانيا، ضيف الشرف. مع توقع مشاركة نحو 10.000 مهني، بالإضافة إلى المؤسساتيين، والمكاتب المتخصصة، والكليات الكبرى ومراكز البحث والتطوير لتبادل خبراتهم والمساهمة في تنمية قطاع الطاقة، الإلكترونيات، والطاقات المتجددة.