في صورة أثارت اهتمام الرأي العام ودوائر الصحافة، ظهرت قاعة ندوة الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية مصطفى بايتاس شبه فارغة، مما عكس حالة من العزوف الصحفي عن متابعة هذه اللقاءات التي يُفترض أن تكون منصة لعرض المستجدات الحكومية ومناقشة القضايا الوطنية.
هذه الصورة ليست مجرد حدث عابر، بل تعكس أزمة متصاعدة في علاقة الحكومة بالإعلام، وتطرح تساؤلات عن مدى قدرة الحكومة على تقديم خطاب مقنع وقادر على استعادة ثقة المواطن.
العزوف عن حضور ندوات بايتاس لم يأتِ من فراغ. بحسب عدد من الصحفيين، فإن تصريحات الوزير تفتقر إلى التفصيل والشفافية، وتعتمد بشكل أساسي على لغة الخشب المكررة التي تُفرغ الندوة من محتواها الإخباري.
وتتوالى الشكاوى من كون هذه اللقاءات أصبحت أقرب إلى منصات لإعادة صياغة البلاغات الرسمية، دون تقديم معلومات جديدة أو توضيحات تفيد الإعلاميين في أداء مهامهم. هذه المعطيات دفعت الكثيرين إلى الابتعاد عن الحضور، تعبيرًا عن رفضهم لهذا الأسلوب التواصلي الذي يعتبرونه غير ملائم لحجم التحديات التي تواجه البلاد.
التاريخ التواصلي للحكومات السابقة يجعل الأداء الحالي موضع تساؤل مشروع. فالمتحدثون الرسميون السابقون، كانوا أكثر قدرة على التفاعل مع أسئلة الصحفيين وتقديم إجابات واضحة ومهنية، مما جعل ندواتهم مصدرًا للمعلومة والتحليل. اليوم، يبدو المشهد مختلفًا، مع تراجع ملحوظ في جودة الخطاب الرسمي وطريقة إدارة هذه اللقاءات.
أداء مصطفى بايتاس ليس سوى جزء من صورة أوسع تعاني فيها حكومة عزيز أخنوش من أزمة ثقة متفاقمة.
ورغم أن الحكومة قدمت نفسها كـ”حكومة كفاءات”، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، وضعف الأداء التواصلي، يعكسان إخفاقات تتجاوز الشخصيات إلى بنية العمل الحكومي ككل.
هذه الدينامية السلبية تفاقمت مع اعتماد خطاب رسمي يفتقر إلى العمق والقدرة على مواجهة الأسئلة الحرجة، ما زاد من الفجوة بين الحكومة والصحافة.
ومن أبرز النقاط المثيرة للجدل، غياب الأجوبة الشافية على أسئلة الصحفيين. ففي الندوة الأخيرة، على سبيل المثال، علل الوزير تجاهله لسؤالين بأنهما لم يُناقشا في المجلس الحكومي.
هذا التصريح أثار انتقادات واسعة، حيث يعتبر العديد من الصحفيين أن الناطق الرسمي ليس مجرد وسيط لنقل مقررات المجلس، بل عليه أن يكون على دراية شاملة بكل القضايا التي تهم الرأي العام.
لا يمكن فصل ضعف التواصل الحكومي عن التحديات الأكبر التي تواجه الحكومة الحالية. المطلوب اليوم ليس مجرد تحسين لغة الخطاب، بل إعادة صياغة العلاقة مع الصحافة على أسس الشفافية والمهنية.
ندوات الناطق الرسمي يجب أن تتحول إلى منصات حقيقية للنقاش والإجابة على تساؤلات الشارع، بدلاً من أن تكون مجرد جلسات بروتوكولية تفتقر إلى القيمة الإخبارية.
الصورة التي أثارت الجدل ليست مجرد مشهد في قاعة ندوة، بل تعبير عن أزمة هيكلية في التواصل الرسمي. إذا لم تتخذ الحكومة خطوات جادة لمعالجة هذه الأزمة، فإن الفجوة بينها وبين الصحافة – وبالتالي بينها وبين المواطن – ستتسع أكثر، مما ينذر بمزيد من تآكل الثقة في الأداء الحكومي ككل.