يُعد ملف الصحراء المغربية من أكثر القضايا حساسية في المغرب، حيث تتداخل فيه الأبعاد القانونية، السياسية، الاقتصادية، العسكرية-الأمنية، الاجتماعية، اللغوية-الخطابية والنفسية. ومن هذا المنطلق، يصبح الخطاب العام أداة حاسمة في توجيه الرأي العام والتأثير على مختلف الفاعلين. لذلك، فإن تبني مقاربة خطابية أكثر احتوائية وتأثيرًا يمكن أن يساعد في حلحلة النزاع بدلًا من تأجيجه.
اللغة ليست مجرد وسيلة للتواصل، بل هي أداة لصياغة التصورات وترسيخ القناعات. لذلك، من الضروري أن يكون الخطاب المستخدم في تناول قضية الصحراء المغربية مدروسًا بعناية، بحيث يتجنب التصعيد غير الضروري. كما ينبغي تجنب المصطلحات العاطفية والمشحونة سلبيًا، لأن التوصيفات العدائية قد تعزز مشاعر الكراهية وتُفاقم الاستقطاب. بدلًا من ذلك، يجب اعتماد خطاب إيجابي يحمل طابعًا تصالحيًا، يشجع على الوحدة والمصالحة مع من غرر بهم. يمكن تحقيق ذلك من خلال تنقيح الخطاب العمومي عبر تجنب استخدام المصطلحات القدحية واستبدالها بمفردات أكثر احتوائية. على سبيل المثال:
– استبدال مصطلح “المرتزقة”، الذي يُطلق غالبًا على جبهة البوليساريو، بعبارة “إخواننا الصحراويين المغاربة في تندوف”، لأن هؤلاء في نهاية المطاف مغاربة، والكثير منهم لديهم عائلات في وطنهم المغرب. وهم ثلاثة أصناف على الأرجح: فئة الوصوليين، وهم القيادات؛ فئة المغرر بهم الذين تعرضوا لغسل دماغ؛ وفئة العالقين لأسباب اجتماعية مختلفة، وهم الأغلبية العظمى.
– استبدال كلمة “محتجزون” بـ”عالقون”، لأن المصطلح الأول يحمل إيحاءات سلبية تفيد بخضوعهم لآخرين، أما المصطلح الثاني، فقد يعني عدة قدرتهم على العودة لأسباب أخرى مختلفة.
– توجيه الخطاب إلى الجهة الفاعلة الحقيقية: من الأخطاء الشائعة في تناول موضوع الصحراء المغربية التعميم في توجيه الخطاب نحو “الجزائر” أو “الشعب الجزائري”، وهو ما يؤدي إلى استقطاب غير ضروري بين الشعوب بدلًا من تركيز الضغط على صانع القرار الحقيقي. إن توجيه الخطاب نحو المؤسسة العسكرية الجزائرية مباشرة، باعتبارها الطرف الحقيقي والوحيد في النزاع، يمكن أن يحقق نتائج أكثر فاعلية. فالتمييز بين النظام الحاكم والشعب يسهم في كسب تعاطف الجزائريين بدلًا من تنفيرهم. فنحن نقدم خدمة جليلة للعسكر عندما نعادي الشعب الجزائري. وفي السياق نفسه، يُفضَّل عدم إقحام رئيس الجزائر في الخطاب، لإبراز أن القرارات الاستراتيجية المتعلقة بهذا الملف تُتخذ على مستوى المؤسسة العسكرية ، مما يعزز مصداقية الطرح المغربي. التركيز على الجهة الفاعلة الحقيقية يعزز مصداقية خطابنا ويوجهه نحو التأثير الفعلي.
الخطاب الاحتوائي قادر على عزل الأعداء الحقيقيين لوحدة المغرب الترابية وفضح نواياهم أمام المغرر بهم، كما يُسهم في توعية الرأي العام الجزائري والدولي بحقيقة الوضع. إلى جانب ذلك، فإن توظيف القوة الناعمة، مثل الإعلام، الدبلوماسية الثقافية، والعمل الإنساني، يمكن أن يكون أكثر فاعلية من المواجهة المباشرة. كما أن تسليط الضوء على المشاريع التنموية في الأقاليم الجنوبية، وإبراز شهادات العائدين إلى أرض الوطن، يعزز صورة المغرب كدولة توفر مستقبلًا واعدًا لجميع أبنائها، بمن فيهم الصحراويون في مخيمات تندوف.
إن تبني خطاب عقلاني ومتوازن في قضية الصحراء المغربية لا يعني التنازل عن الثوابت، بل هو استراتيجية ذكية لكسب المزيد من التعاطف والدعم. فكلما كان الخطاب هادئًا ومدروسًا وقائمًا على الحجج القوية، كلما كان أكثر تأثيرًا وإقناعًا. في النهاية، المعركة الحقيقية ليست فقط في الميدان، ولكن أيضًا في العقول والقلوب، والخطاب الفعّال هو أحد أهم أسلحتها.
إعادة صياغة الخطاب حول قضية الصحراء المغربية يمكن أن تُحدث فرقًا كبيرًا في إدارتها على المستويين الإعلامي والسياسي. فالخطاب يمكن أن يكون أداة قوية في كسب المزيد من الدعم والتأييد، سواء داخل المغرب أو خارجه. اللغة تصنع الواقع، والخطاب الذكي قادر على تحويل العدو إلى صديق، مما يمكننا من كسب قلوب بعض المغرر بهم بدلًا من خسارتهم عبر تبني خطاب تصادمي.