دعا نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، الحكومة المغربية إلى تحمل مسؤوليتها إزاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة، مشيرًا إلى أنَّ ارتفاع معدلات البطالة وغلاء الأسعار يعكسان إخفاقاتها المتكررة في مواجهة التحديات الكبرى التي يعاني منها الشعب المغربي. جاء ذلك خلال كلمته في أشغال الدورة الخامسة للجنة المركزية للحزب التي انعقدت يوم الأحد في الرباط.
الـتأكيد على فشل الحكومة في مكافحة البطالة
في مستهل كلمته، شدد بن عبد الله على أن الحكومة، التي وعدت بتوفير مليون منصب شغل، فشلت فشلًا ذريعًا في تحقيق هذا الهدف، حيث أظهرت الأرقام الرسمية في الفصل الثالث من عام 2024 أن عدد العاطلين عن العمل في البلاد بلغ 1.68 مليون شخص، وارتفع معدل البطالة إلى 13.6% على المستوى الوطني، مع تسجيل نسب مقلقة في بعض الفئات مثل 39.5% بين الشباب و19.8% بين حاملي الشهادات.
وأكد بن عبد الله أن هذه الإحصائيات تكشف بوضوح عن “فشل الحكومة الذريع في خلق فرص عمل حقيقية”، مُعتبرًا أن هذا العجز يعود إلى عدم القدرة على تطوير قطاع الصناعة بشكل كافٍ. ورغم بعض الإنجازات المحدودة في الصناعات مثل السيارات والطيران، إلا أنَّ القطاع الصناعي لا يسهم سوى بـ 15% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يعكس ضعفًا في تصنيعه المحلي واعتمادًا كبيرًا على الاستيراد.
النقد الحاد لسياسات الحكومة الاقتصادية
وانتقد بن عبد الله كذلك السياسات الحكومية في مجال الاستثمار، حيث أشار إلى عجز الحكومة عن جذب الاستثمارات الخاصة التي كان يُفترض أن تشكل ثلثي الاستثمار الإجمالي الوطني. كما أن الحكومة فشلت في تحقيق أهدافها الطموحة في خلق 500 ألف منصب شغل من خلال الاستثمار، معتبرًا أن المشاريع الاستثمارية المعلنة تعاني من سوء التوزيع الجغرافي وافتقارها للجدوى الاقتصادية.
ورغم الوعود بتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4%، أشار بن عبد الله إلى أن الواقع يشير إلى أن النمو لا يتجاوز في أحسن الأحوال 3%، ما يعكس ضعف الحكومة في تحفيز الاقتصاد الوطني وتحقيق الاستقرار الاقتصادي. وأكد أنَّ هذا الوضع قد أسهم في إفلاس نحو 27 ألف مقاولة بين 2021 و2023، مع تسجيل تزايدٍ في الدين العام، الذي وصل إلى حوالي 86% من الناتج الداخلي الخام، وفقًا للمعطيات الرسمية.
غضب الشباب من الوعود الضبابية
وفي حديثه عن البرامج الحكومية التي تم إطلاقها في إطار معالجة البطالة، مثل “فرصة” و”أوراش”، قال بن عبد الله إنَّ هذه المبادرات لم تحقق النتائج المرجوة، بل تحولت إلى مصدر للإحباط لدى الشباب الذين كانوا ينتظرون حلولًا حقيقية. وأشار إلى أن الحكومة فشلت في خلق فرص عمل مستدامة عبر هذه البرامج، التي لم تواكب حاجات الشباب المغربي في ظل الأزمات الاقتصادية المستمرة.
مخاوف من استمرار الريع في المشاريع الاقتصادية
وفي سياق متصل، حذر بن عبد الله من أن الحكومة لم تُظهِر أي رغبة جادة في محاربة الريع الاقتصادي في المشاريع التي تستفيد من دعم الدولة، خاصة في إطار ميثاق الاستثمار. وقال إن هناك مخاوف جدية من أن تصبح هذه المشاريع “مرتعا للريع وتضارب المصالح”، لاسيما في ظل غياب الشفافية في آليات تنفيذ المشاريع الاستثمارية والدعم المخصص لها.
وأضاف أن الحكومة ما زالت تتلكأ في إخراج النصوص التنظيمية المتعلقة بدعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، ما يهدد بتفاقم الوضع الاقتصادي في البلاد، ويؤثر سلبًا على قدرة المغرب على تنمية القطاع الخاص وتعزيز التنافسية الاقتصادية.
السيادة الاقتصادية: تحديات أخرى تعمق الأزمة
وأخيرًا، لم يكتفِ بن عبد الله بتقييم الوضع الاقتصادي على الصعيدين الاجتماعي والمالي، بل تحدث أيضًا عن فشل الحكومة في تحقيق السيادة الاقتصادية، خصوصًا في مجالات الطاقة والغذاء. وأشار إلى أن الحكومة لم تُحقق تقدمًا كبيرًا في ضمان السيادة الطاقية، مع استمرار الاعتماد على الاستيراد في المواد الأساسية مثل المحروقات والمواد الغذائية.
وأضاف أنَّ السياسة الفلاحية في المغرب، المتمثلة في “المخطط الأخضر” و”الجيل الأخضر”، قد أسهمت في استنزاف الموارد المائية لصالح الزراعات التصديرية على حساب احتياجات السوق المحلي، ما أدى إلى ارتفاع واردات المواد الغذائية إلى 90 مليار درهم في 2023، مقابل صادرات غذائية لم تتجاوز 77 مليار درهم. وأكد أن هذه السياسة فشلت في دعم الفلاحين الصغار، مما فاقم من الهجرة القروية وأدى إلى تدهور أوضاع المزارعين.
خلاصة: الحكومة في مواجهة تحديات ضخمة
في ختام كلمته، أكد نبيل بن عبد الله أنَّ الحكومة لم تتمكن من تقديم حلول حقيقية للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المغاربة. وأشار إلى أن استمرار غلاء الأسعار، تفشي البطالة، وفشل السياسات الاقتصادية بشكل عام، يُثبت أن الحكومة بحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها وإطلاق مبادرات إصلاحية حقيقية تضمن تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين وتعيد الثقة في المؤسسات الحكومية.
وأخيرًا، دعا بن عبد الله إلى ضرورة إعطاء الأولوية للمصالح الاجتماعية وتطوير القطاعات الإنتاجية في المغرب، مع التأكيد على أن المستقبل الاقتصادي للبلاد يتطلب إرادة سياسية حقيقية ومقاربات شاملة تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات الأساسية للمواطنين.