اختارت فعاليات مدنية بمناطق الجنوب الشرقي المتضررة من “فيضانات وسيول شُتنبر” تنبيه الحُكومة مجددا إلى ضرورة تفادي تكرار “أخطاء” تنزيل برنامج إعادة إعمار “مناطق زلزال الحوز” خلال عملية إعادة بناء المنازل المنهارة كليا جراء هذه الفيضانات، لا سيما “منح تصاميم بناء لا تلائم الطابع المعماري والخصوصيات الثقافية والاجتماعية للمناطق المتضررة”.
وبيّنت الفعاليات، التي تحدثت لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “التعافي المجتمعي من تداعيات كارثة الفيضانات الأخيرة لن يحدث إلا بإعادة العمران كما كان؛ وهو ما يبدأ بمنح تصاميم تسمح للأسر المتضررة ببناء منازل كبيرة المساحة على اعتبار أن غالبيتها نووية، إضافة إلى مرافق تؤوي مواشيها ودواجنها لأنها أسر تعتمد على الفلاحة المعيشية في نهاية المطاف”، مؤكدة أنه “بحكم شساعة الأراضي السلالية بالمنطقة، فإن إيجاد البُقع لن يطرح إشكالا بالنسبة للمتضررين، يكفي أن تكون لدى الحكومة والسلطات المحلية إرادة حقيقية للحفاظ على الخُصوصية المعمارية للسكن الواحي الذي يسترعي الإشادة الدولية من الباحثين والمهتمين بالتراث”، وفقها.
في هذا الإطار، قال رشيد البلغيتي، منسق مبادرة “لجنة طاطا”، إن “عملية تأهيل المنازل المتضررة من الفيضانات الأخيرة ينبغي أن تُراعي خصوصيات العمران بالجنوب الشرقي، سواء على مستوى المواد الأولية المستعملة في البناء أي الطين والصخور أو على مستوى تصميم المنازل التي تكون عادة مساحتها كبيرة وتتكون من “الرحبة” و”الحوش” وغُرف الأبناء المتزوجين؛ بالنظر إلى أن فئة كبيرة من الأسر الواحية هي أسر نووية، إضافة إلى المرافق المخصصة للماشية وغيرها”، مُبرزا أن “عدم استحضار هذه الخصوصيات التي نالت إشادات دولية في عملية إعادة البناء سيجعلها ناقصة”.
وأضاف البلغيتي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الفاعلين المدنيين يتمسكون بهذا المطلب ويشددون عليه، خصوصا أن تجربة عمليات إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز كشفت أن الحكومة لم تراعِ خلالها خُصوصيات المناطق المتضررة بشكل متكامل”، مُوضحا أن “هذه العمليات استحضرت بالفعل توظيف مواد البناء المُميزة لمناطق الأطلس من الطين والحجر وغيرها؛ ولكن التصاميم التي سُلمت للمتضررين لم تراعِ اعتيادهم السكن في منازل شاسعة المساحة، ليجدوا أنفسهم مُضطرين إلى السكن في منازل لا تتعدى 50 مترا أحيانا”.
وشدد منسق مبادرة “نداء طاطا” على أن “التعافي المجتمعي من تداعيات الفيضانات الأخيرة لن يحدث في حال لم يتم حفظ الذاكرة والهوية الحضارية بإعادة العمران كما كان، بما لا يكرر سيناريو زلزال الحوز”، مُبرزا أن “الفاعلين المدنيين يدعون الحكومة إلى أن تتدارك وتتشاطر هذا الهاجس الحضاري؛ لأنه يبدو من خلال عملية إحصاء وجرد المتضررين التي أقصت العديد من المتضررين الذين انهارت منازلهم بشكل جزئي بالنظر إلى تركيبة اللجان التقنية التي تقوم بهذه العملية، أنها لا تولي أهمية فقط حتى لمنح سكن عادي من “حيط وسقف” لجميع المتضررين، أحرى بمواصفاته وخصائصه المعمارية”، وفقه.
من جانبه، أكد رشيد أسعيد، فاعل مدني بإقليم طاطا، أن “العديد من سكان المناطق المتضررة بإقليم طاطا أبدوا الاستعداد لإعادة بناء منازل في مناطق بعيدة عن الشعاب والأودية، تفاديا لتكرار الخسائر المادية والبشرية الثقيلة التي سُجلت خلال الفيضانات الأخيرة”، مُبرزا أن “التساؤل الذي يؤرق السكان هو هل ستستجيب تصاميم البناء التي سيتم منحها لهم لتطلعاتهم أم سيجدون أنفسهم مضطرين إلى السكن في منازل صغيرة المساحة، كما جرى بالنسبة للمتضررين من زلزال الحوز”.
وأكد أسعيد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “متضرري السيول يرون أن تصاميم البناء التي سيجري تقديمها لهم يجب أن تراعي كونهم يميلون إلى السكن في منازل كبيرة مُرفقة بفضاءات مخصصة للمواشي من أبقار وماعز وكذا الدواجن على اعتبار أن جزءا كبيرا منهم يعتمد على الفلاحة المعيشية أساسا في ضمان قوته اليومي”، مُبرزا أن “أغلب المتضررين هم من ذوي الحقوق بالجماعات السلالية؛ وبالتالي فإنهم لن يواجهوا إشكالا في الاستفادة مجانا من بُقع كبيرة المساحة، يكفي أن تكون هناك إرادة حقيقية من لدن السلطات المحلية لإدراج مطالبهم بعين الاعتبار”.
وأكد الفاعل المدني بإقليم طاطا أن “مطلبا آخر يرفعه المتضررون إلى السلطات المحلية هو التعجيل بعملية وضع تصاميم لتهيئة المناطق المحتملة لإعادة توطين المتضررين، لا سيما تعبيد الطرق المؤدية إليها وربطها بشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي”.
جريدة هسبريس الإلكترونية نقلت تساؤلات ومطالب هؤلاء الفاعلين المدنيين، بخصوص مُلاءمة تصاميم البناء للخصوصيات المعمارية والاجتماعية والثقافية لمناطق الجنوب الشرقي، إلى مصدر من عمالة إقليم طاطا، فأكد أن “العمالة واعية بهذه المسألة، وكان عدد من أعضائها شددوا قبلا على أهمية البناء بالمواد المحلية أي الطين والحجر خلال حُضورهم لندوة حول عملية إعادة إعمار المناطق المتضررة من زلزال الحوز نظمتها أكاديمية المملكة”.
وأضاف المصدر ذاته أنه “لم يتم، إلى حدود اللحظة، التداول بشأن طبيعة التصاميم التي سيتمُ تسليمها للمتضررين؛ غير أنه سيكون هناك مُقترح من قبلنا على ضرورة أن تراعي التصاميم الممنوحة تخصيص 100 متر على الأقل للسكن، و100 أخرى للمرافق التي يضع فيها السكان المواشي والدواجن، على أن تكون للمنازل واجهتان: الأولى أمامية تتضمن باب للجزء المخصص لسكن الأسرة، والثانية خلفية مُرتبطة بالمرافق”.