محمد منفلوطي _ هبة بريس
كثيرا ما أجد نفسي وسط الكبار، كبار السن طبعا، من شيوخ وطني الشامخ، ففي مجالستهم حكمة وتعليم وتهذيب بالنظير…
كثيرا ما يسألني الأقربون عن السر في ذلك، لتكون الإجابة بسيطة بساطة ابتسامة كبار السن البريئة دون لمز ولا غمز ولا استراقة للسمع، بيد أن مجالسة بعض الأقران أضحت نقمة لا تخلو من ممارسات ونقاش عقيم، كما لا تخلو من ” أكل لحوم البشر أحيانا”، بل ولا تخلو من منطق ” احضي جنابك” لاسيما في ظل تفشي نقمة ” التكنولوجيا” والتنصت وتسجيل المكالمات والمحادثات عبر هواتف أُعدت لذلك…
مجالسة الكبار طبعا، لأن كُنهَ حديثهم لا يدور ويحوم حول الجسد، بل يستهدف الروح، لا يتحدثون عن لذة عابرة، بل عن معان تُخلد…
كبار السن من شيوخ وطني الغالي، كلهم تجارب، كلهم حكم تُروى وتحكى وتسرد… عن الصبر والتحمل ومقارعة الرجال تدور…
حتى في صمتهم عِبرٌ ودلالات، فيها دروسا تُدرس في كُبريات المدارس والمعاهد..
مُجالسة الكبار، فرصة لربط الماضي بالحاضر لاستشراف المستقبل الغامض، حكاياتهم بحمولة ثقيلة، بلا زيف ولا زواق ولانفاق…نابعة من قصص حقيقية وتجارب كذلك صقلتها الأيام….
ثم يأتي من يسألني: “لماذا تجلس مع كبار السن؟ اجلس مع أقرانك؛ أفكارهم أقرب إليك، وتجاربهم كذلك، لربما تتواصل معهم أكثر…
ثم يأتي ردي عليهم، بأن مجالسة البعض من الأقران، قد لا أجد فيها ضالتي…فحديث البعض منهم لا يخرج عن نطاق النقاش العقيم عن شهوات عابرة مُزيفة ونكث بابتسامة خاطفة مُزيفة، وكأن حياتهم اختُزلت في الجسد فقط، وكأن عقولهم لا تعرف التفكير إلا في الغرائز….بل وحتى ابتسامة البعض منهم تخفي وراءها ما وراءها….
يأتي ردي عليهم، بأن مجالستي للرجال الكبار، كبار السن، هي متعة للعقل والفكر قبل العين، فيها يُغنى رصيد المرء بالتجارب الناجحة، فيها تُبنى الشخصيات وتنسج بطعم المواقف الصادقة….
ففي مجالسة بعض الأقران، ركضٌ وراء سراب يحسبه الضمآن ماء بجهد مضاعف لتحقيق لذة عابرة بلا معنى ولاقيمة…
لاتخلو من ثرثرة وضجيج وغيبة ونميمة، ونفاق اجتماعي ومدح بمساحيق تجميلية سرعان ما تختفي ويختفي مفعولها…
حتى في لحظة الاستماع إلى حديث البعض منهم، يشعر المرء بثخمة زائدة ترهق الروح قبل الجسد…
هو العمر إذن، الذي لايقاس بالسنين والأيام، بل بالأفكار والتجارب ومواقف الرجال…