منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات العامة التي جرت في أكتوبر الماضي ورفض المعارضة لنتائجها، تشهد موزمبيق، البلد الواقع جنوب شرق إفريقيا، أعمال عنف وفوضى عارمة تدفع بها إلى شفا صراع أهلي واسع النطاق.
وعلى إثر تأكيد المجلس الدستوري فوز الحزب الذي ظل في السلطة لمدة نصف قرن، جبهة تحرير موزمبيق (فريليمو)، ومرشحها الرئاسي دانيال تشابو بأغلبية ساحقة في الانتخابات التشريعية والرئاسية المثيرة للجدل في 9 أكتوبر الماضي، تتصاعد أحداث العنف وتنتشر مشاهد الدمار ما يجعل البلد في حال تأهب قصوى لمواجهة مظاهرات آخذة في الاحتدام.
وقد تفاقمت حدة هذه المظاهرات لتتحول إلى أعمال شغب وتدمير، ولاسيما بعد الاتهامات التي وجهها زعيم المعارضة والمرشح الرئاسي فينانسيو موندلين للحزب الحاكم بتزوير الانتخابات، رافضا نتائج الاقتراع ما دفع أنصاره إلى النزول إلى الشوارع.
وعلى نفس المنوال، ندد محللون مستقلون وزعماء معارضون آخرون بعمليات تزوير واسعة النطاق طالت الانتخابات؛ معبرين عن رفضهم لعدد من الممارسات منها تسجيل ناخبين وهميين، والتلاعب بصناديق الاقتراع، والتفاوتات الكبيرة في عدد المصوتين، ورفض السماح لمراقبي المعارضة بحضور فرز الأصوات في مراكز الاقتراع.
وفي مواجهة هذه الاتهامات وأمام ضغوطات الشارع، أقرت رئيسة المجلس الدستوري، لوسيا دا لوز ريبيرو، بحدوث حالات تزوير، غير أنها قللت من تأثيرها على نتائج الانتخابات، مسجلة أن “المراجعات” التي أجراها المجلس على النتائج جعلت من الممكن تجنب إعادة فرز الأصوات.
غير أن موقف المجلس الدستوري، ورئيسته، الذي و صف بـ”المنحاز” لم يكن كافيا لثني المتظاهرين عن مواصلة الاحتجاجات وأعمال الشغب التي امتدت إلى عدة مناطق في موزمبيق، لا سيما العاصمة مابوتو، حيث أقيمت حواجز من الإطارات المشتعلة. كما أفادت التقارير بأن مثيري الشغب أضرموا النار في مراكز الشرطة ومقرات لحزب فريليمو.
وحسب منظمة العفو الدولية “أمنيستي”، فإن حصيلة الاشتباكات التي اندلعت منذ بدء المظاهرات عقب انتخابات أكتوبر المنصرم تجاوزت 300 قتيل، في بلد لم يشهد مثل هذا العنف منذ نهاية الحرب الأهلية، باستثناء أعمال العنف التي ترتكبها الجماعات المسلحة في مقاطعة كابو ديلجادو شمال البلاد.
وقد أسفرت الفوضى السائدة في البلاد عن فرار أكثر من 1500 نزيل من سجن كبير شديد الحراسة في العاصمة مابوتو، بينما لقي 33 سجينا مصرعهم في اشتباكات مع حراس السجن، بحسب الشرطة.
وفي محاولة لوضع حد لهذه الاحتجاجات العنيفة المنتشرة في جميع أنحاء موزمبيق التي تمزقها الصراعات، اقترح فاعلون سياسيون تشكيل حكومة وحدة وطنية كحل لاستعادة الاستقرار في البلاد.
وفي هذا السياق، انضم رولف ماير، السياسي الجنوب إفريقي الذي كان له دور رئيسي في الإصلاح الدستوري في البلاد، إلى مجموعة من الخبراء الذين دعوا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في موزمبيق لتهدئة التوترات السياسية وضمان الاستقرار.
واعتبر أن “الحل بالنسبة للموزمبيق يتمثل، على الأرجح، في حكومة وحدة وطنية يمكن تشكيلها من خلال الحوار”.
من جانبه، اتخذ الخبير الاقتصاد السياسي سام كوما، الموقف ذاته، واصفا الوضع في موزمبيق بأنه “تذكير مأساوي بكيفية تدبير الانتخابات في دول مجموعة تنمية الجنوب الإفريقي (سادك)”.
وقال إن “هذه الدول، باستثناء بوتسوانا وجنوب إفريقيا، لديها تاريخ من النتائج الانتخابية المثيرة للجدل”، مشيرا إلى أن الأطراف المتنازعة في موزمبيق لا يمكنها تحقيق الاستقرار إلا من خلال تشكيل حكومة وحدة وطنية بهدف ضمان تقاسم السلطة.
من جانبه، قال رولاند هينوود، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بريتوريا، إن حكومة الوحدة الوطنية في موزمبيق لا يمكن أن تنجح إلا “إذا كانت جميع الأطراف مستعدة للتوصل إلى توافقات والعمل سويا”.
وأشار إلى أن موزمبيق دخلت “دوامة من عدم الاستقرار”، معتبرا أن هذا الوضع ربما يكون نتيجة لسنوات عديدة من سوء التدبير وما نتج عن ذلك من فقدان الشرعية والثقة.
وفي انتظار التوصل إلى حل لأزمة ما بعد الانتخابات الذي طال انتظاره، يتواصل”القمع الدموي” للمتظاهرين، وتزداد حدة المواجهة بين المعارضة والحزب الحاكم “فريليمو”، غير أن أكثر ما يخشاه الجميع هو انزلاق موزمبيق نحو الهاوية.