أمينة المستاري
“النفار” …شخصية مغربية ترسخت في ذهن المغاربة خاصة بالمدن التاريخية، بجلبابه الواسع وطاقيته، يجوب الأزقة وهو يمسك آلة النفير” “الطبل” يدقه لإيقاض السكان والإعلان عن حلول وقت السحور.
لكل ذكرى طيبة عن النفار، الذي يحمل “المزمار” أو “آلة النفير” الشبيه بالبوق الطويل، و المكون من مجموعة من القطع، ينفخ فيه ليصدر صوتا قويا من أجل البدء في تناول وجبة السحور، والاستعداد لصلاة الفجر، كما كان يعلن عن حلول شهر رمضان بعد أن تثبت رؤيته.
مهمة موسمية وحرفة امتهنها في كل حي شخص، غالبا ما يكون في منتصف العمر، يقوم بالمهمة على أكمل وجه طيلة أيام رمضان، وفي العشرة الأواخر يتجول بين المنازل للحصول على بعض السكر وما تجود به ربات البيوت من حلوى وخبز وبعض الدراهم.
نجاة في بداية عقدها السادس، تتذكر أيام النفار بحي العدير بوزان، عندما كانت في 15 من عمرها، صادفت مرارا النفار أثناء تجواله بين المنازل، يدق الأبواب نهارا ويملئ “البردعة” بما تجود به الساكنة كمقابل لخدماته التي يقدمها طيلة رمضان سواء نقودا أو طعاما، وأيضا يتلقى زكاة الفطر:” كنا معجبين بالنفار، كنتبعوه في النهار، وفي الليل كان كيفيقنا باش نتسحروا…كان صوت النفار الذي يستعمل الطبل أحيانا يدغدغ أسمانعنا بنغماته “طاق ططق طاقرطاق” …وبجملته الطويلة التي ترافق دقاته ” مْبَارَكْ هَذا الشْهَرْ أَمَّالِينْ الدَّارْ، اعْطِيوْنَا حَقْ النَّفَّارْ، لاَ إِلَه إِلاّ اللهْ.. لاَ إِلَه إِلاّ اللهْ رَبِّي وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهْ.. فِقْ تْسَحَّرِ يَا النَّاعَسْ، صَلِّي الفْجَرْ وَنْوِي صْيَامُو، رَا رَمْضَانْ غَادِي، سَعْدَاتْ اللِّي صَامُو وقَامو واعْمَلْ بِحْسَابُو».
تقول نجاة : “أيام زمان كان كل حي فيه واحد كيدير نفار، لكن في وقتنا الحالي مابقاش قليل اللي بقاو كيديرو هاد المهمة، وكان تواجد النفار ضرورة في رمضان، يضفي على الشهر الكريم لمسة خاصة، حتى اعتبر إرثا وتقليدا رمضانيا، ورغم اختفائه في مجموعة من المدن القديمة إلا أن هناك مدنا تحاول الحفاظ على النفار واستمراريتها، في وقت لم يعد الشباب يبدون اهتماما بها، إلا أن مجموعة من المدن القديمة اختفى فيها النفار أو الطبال ولم يعد يسمع صوته بعد أن عوضه المدفع أو الهواتف والمنبهات كما أن الغالبية يسهرون إلى حين وقت السحور…”.
هو تراث شعبي آخر ومهنة متأصلة من أيام الزمن الجميل في طريقه إلى الانقراض، والدليل أننا لم نستطع إيجاد أحدهم بمجموعة من أحياء أكادير، التي افتقدت لهذه الشخصية التي تحافظ على التراث الشعبي، الذي كانت مهمته تمتد ل30 يوما، يقوم بجولاته الليلية طيلة الشهر، وابتداء من نهاية الأسبوع الثاني يجمع مساهمات الساكنة نهارا، و”الفطرة” ليلة العيد أو صباحه، يعتمد عليه الكثيرون للاستيقاظ وتناول وجبة السحور…
هي إذن حرفة ورثها الجيل الثاني عن الجيل الأول، ولا تحضى باهتمام كبير من الجيل الثالث، كما أن “النفار” عادة يزاول مهنة أو حرفة أخرى طيلة السنة، ويحاول التشبث بالمهمة النبيلة التي يقدمها في رمضان ويصمد حتى لا يصبح مصيرها كمصير مجموعة من العادات والحرف التقليدية الأصيلة.