أثار قرار الحكومة بمنع ذبح إناث الأغنام والماعز موجة من الجدل داخل الأوساط الفلاحية والبرلمانية، حيث اعتبره البعض خطوة ضرورية للحفاظ على القطيع الوطني وضمان استدامته، فيما يرى آخرون أنه يضيف أعباء إضافية على الفلاحين ومربي الماشية الذين يواجهون بالفعل تحديات كبيرة بسبب توالي سنوات الجفاف وارتفاع أسعار العلف والخدمات البيطرية.
ويأتي القرار في سياق استراتيجية حكومية تهدف إلى إعادة هيكلة قطاع تربية المواشي وتعزيز مؤشرات تطور هيكلته، خاصة بعد التراجع الملحوظ في أعداد القطيع نتيجة الظروف المناخية والاقتصادية الصعبة التي أثرت بشكل مباشر على القدرة الإنتاجية لهذا القطاع الحيوي.
من بين أبرز الإشكالات المطروحة جراء هذا القرار، تأثيره المباشر على مربي الماشية، الذين يعتمدون بشكل أساسي على تربية وبيع الأغنام والماعز كمصدر رئيسي للدخل، سواء في المناطق القروية أو الجبلية.
في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، يعتبر بيع إناث القطيع واحدًا من الحلول المتاحة أمام “الكسابة” لمواجهة التكاليف المتزايدة لتربية الماشية، خاصة مع ارتفاع أسعار العلف بسبب الجفاف وندرة المراعي، إضافة إلى الأعباء البيطرية التي تثقل كاهلهم.
ومع دخول قرار منع الذبح حيز التنفيذ، يجد هؤلاء أنفسهم في وضعية حرجة، إذ لم تُرفق الحكومة هذا القرار بأي تدابير داعمة لتعويض الفلاحين المتضررين، مما يطرح تساؤلات عديدة حول مصير هذه الفئة التي تعتبر العمود الفقري للقطاع الفلاحي الوطني، خاصة بعد قرار إلغاء عيد الأضحى.
في هذا السياق، وجه النائب البرلماني محمد هيشامي عن الفريق الحركي بمجلس النواب سؤالًا كتابيًا إلى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، طالبًا توضيحات بشأن الإجراءات المواكبة لهذا القرار، ومدى ارتباطه باستراتيجية شاملة لحماية القطيع الوطني مع مراعاة أوضاع الفلاحين الصعبة.
وأشار النائب إلى أن القرار جاء في وقت يعاني فيه المربون من صعوبات مالية كبيرة بسبب تداعيات الجفاف وارتفاع تكاليف الإنتاج، حيث أصبحت القدرة على تغطية نفقات تربية القطيع تتطلب موارد مالية تفوق إمكانياتهم الحالية.
وجدد النائب البرلماني مطالبه بالكشف عن التدابير الموازية المزمع اتخاذها لدعم الكساب ودعم الأعلاف، خاصة أن نشاط تربية المواشي الذي يعتبر مصدر شغل لنسبة كبيرة بالعالم القروي والمناطق الجبلية.
رغم أن الهدف المعلن من القرار هو الحفاظ على القطيع الوطني، إلا أن تنفيذه دون توفير حلول بديلة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد يلجأ بعض المربين إلى التخلص من جزء من قطيعهم بطريقة غير قانونية أو بيعها بأسعار زهيدة لتفادي الأعباء الإضافية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى فقدان أعداد مهمة من القطيع بدلًا من الحفاظ عليه.
إضافة إلى ذلك، فإن استمرار الأزمة الاقتصادية، وتراجع القدرة الشرائية لدى المستهلكين، قد يجعل من الصعب على مربي الماشية تحقيق هامش ربح يسمح لهم بالاستمرار في نشاطهم، خاصة في ظل المنافسة الشرسة التي يعرفها سوق اللحوم الحمراء بين الإنتاج المحلي والمستورد.
من جهة أخرى، يطرح هذا القرار تساؤلات حول مدى استعداد الحكومة لاتخاذ تدابير مرافقة لتخفيف تداعياته على الفلاحين، خاصة من خلال توفير دعم مالي مباشر لمربي الماشية، أو تقديم تحفيزات تساهم في تقليص تكاليف الإنتاج، مثل دعم الأعلاف أو توفير خدمات بيطرية مجانية أو بأسعار مدعمة.
واعتبرت عدد من الفئات المهنية حسب ما توصلت به الجريدة 24 أن تعزيز آليات تمويل مشاريع التربية والتسمين يمكن أن يكون أحد الحلول لضمان استمرارية القطاع، دون الإضرار بمصالح الفلاحين الصغار الذين يشكلون الأغلبية الساحقة من العاملين في هذا المجال.
في ظل هذه المعطيات، يتساءل المهنيون عن مدى جاهزية الحكومة لتنفيذ سياسات مستدامة تضمن تحقيق توازن بين ضرورة الحفاظ على القطيع الوطني ومصالح المربين.
فبينما يُعتبر القرار ضروريًا من الناحية البيئية والإنتاجية على المدى البعيد، فإن نجاحه يتوقف بشكل كبير على مدى قدرة الحكومة على توفير آليات دعم كفيلة بمساعدة الفلاحين على التأقلم معه دون أن يتكبدوا خسائر كبيرة.
ومع غياب أي خطط واضحة لتعويض المتضررين حتى الآن، يبقى مصير الآلاف من مربي الماشية معلقًا في انتظار تحرك وزارة الفلاحة والصيد البحري لوضع حدًا لحالة الغموض التي تحيط بهذا القرار وتداعياته المحتملة على القطاع الفلاحي برمته.