صدر مؤخرا عن مركز إحياء للبحوث والدراسات، مؤلف جديد للدكتور يونس الخمليشي، الأستاذ بكلية أصول الدين في جامعة عبد الملك السعدي، بعنوان “منطق الاستدلال في العلوم الشرعية: دراسة في أنساق علم الكلام وأصول الفقه والنحو في الأنساق المتضادة”.
ويسعى الباحث من خلال مؤلفه الجديد “إلى إثراء المكتبة الإسلامية العلمية، متناولا قضايا فلسفية ومنهجية في صلب العلوم الشرعية، ومُترجما التكافؤ الذي أرساه المتكلمون بين الوجود والعدم إلى مستوى أكثر تقعيدا ومنهجية”.
ويُقدّم، دراسة معمّقة حول فلسفة منطق الاستدلال في العلوم الشرعية، بدءا من الجذور الأنطولوجية التي أسسها علم الكلام، وصولا إلى تطبيقاتها في مختلف الحقول العلمية. مستعرضا قضايا متعددة مثل منطق الاستدلال البدهي، الاستدلال المفهومي والقضوي، وفلسفة ذهن ولغة الاستدلال. متجاوزا بذلك بذلك الحدود التقليدية لعلم الكلام إلى محاولة بناء “براديغم كلامي” شامل، يقوم على أسس منطقية ولسانية حديثة، بعيداً عن الأنطولوجيا الأرسطية.
ويركز الكتاب على تحليل البنى العميقة التي تشكل نسق الاستدلال الميتافيزيقي والكوسمولوجي في العلوم الشرعية. ويسعى إلى تجذير الأنطولوجيا ضمن مختلف العلوم عبر “منهج التنقيب الأنطولوجي” الذي يراه المؤلف أعمق من المناهج التقليدية كالتنقيب الأركيولوجي والجينالوجي. هذا المنهج، وفقاً للخمليشي، يهدف إلى توسيع دائرة البحث الشرعي، وإحداث تكامل بين العلوم الإنسانية والشرعية.
في هذا السياق قال الخمليشي، “إن هذا البحث يدرس الاستدلال من حيث ‘فلسفة منطق نسق الاستدلال’، وفلسفة منطق هذا النسق تقتضي دراسته من حيث: منطق الاستدلال، فلسفة منطق الاستدلال، فلسفة ذهن الاستدلال، فلسفة جهة الاستدلال، فلسفة منطق الاستدلال البدهي، فلسفة منطق الاستدلال المفهومي والقضوي، فلسفة لغة الاستدلال، فلسفة قيم الاستدلال، فلسفة عاطفة الاستدلال، فلسفة تركيب الاستدلال، فلسفة منهج الاستدلال، فلسفة لاهوت الاستدلال، وغير ذلك”.
وأضاف الخمليشي في تصريح لجريدة “العمق”، “هذه الدراسة تمت عبر تجذير النظر الكلامي الأنطولوجي وترجمته إلى النظر المنطقي نحو إحداث فُوَّهَةً معرفية ومنطقية قدر الإمكان، محاولاً ترجمة التكافؤ الذي حققه المتكلمون بين الوجود والعدم على مستوى اللغة والمنطق واللسانيات وسائر العلوم”.
وتابع المتحدث: “حاولنا في هذا الكتاب ترجمة علم الكلام العقدي إلى علميْ الكلام المنطقي واللساني، بما يجعل الأمر نسقاً مستمراً، يشمل وحدة النسق الكلامي في الأنطولوجيا والميتافيزيقا والمنطق واللغة، ومن ثم؛ تأثيث براديغم كلامي عام يقوم على المنطق واللسانيات من نفي وإثبات غير أرسطيين، لا يترجمان الأنطولوجيا والميتافيزيقا الأرسطية، بل يترجمان الأنطولوجيا والميتافيزيقا الكلامية”.
كما سعى الباحث إلى “تحليل النسق العميق المشكِّل لبنية الاستدلال الميتافيزيقية والأنطولوجية والكوسمولوجية، مع ترجمة هاته البنى في الاستدلال في بُعدها الابيستمولوجي؛ لغةً وتعقلاً وتحققاً، حيث سلسلة الاستدلال وعلاقاته عمودياً وأفقياً ومتوالياته من مقدمات ونتائج. وغرضه الأساس الانطلاقُ من الأسس الأنطولوجية كما فعل المتكلمون؛ وتتبع تطبيقاتها في مختلف الحقول والعلوم المشكلة للنسق”.
يطمح الكتاب إلى تحقيق تكامل معرفي بين العلوم المختلفة، مع إسهام مباشر في تطوير منهجيات البحث الشرعي. ومن بين الأهداف التي سعى المؤلّف لتحقيقها، بناء وحدة معرفية تجمع بين الأنطولوجيا والميتافيزيقا واللاهوت واللغة ضمن نسق متكامل. كما يسعى إلى توسيع دائرة البحث الشرعي من خلال تكثير علوم الشريعة وربطها بمناهج العلوم الإنسانية الحديثة. إضافة إلى ذلك، يهدف الكتاب إلى إرساء “فقه المنطق الإسلامي” كمشروع فكري يدمج الوحي بمعارف حديثة لإثراء الفكر الإسلامي.