بنبرة من الإشادة والتثمين، تفاعل خبراء وباحثون في الشؤون الأمنية والرقمية مع حصيلة “إبلاغ”، المنصة الرقمية التفاعلية المخصصة للتبليغ الفوري عن المحتويات الرقمية غير المشروعة على شبكة الإنترنت، معتبرين أن الأرقام التي تضمنتها حصيلة معالجة الإشعارات طيلة الأشهر الثلاثة الأولى (منذ إطلاق المنصة بداية شهر يونيو 2024) تعزز ثقة المغاربة في جهاز الأمن وتعكس تنامي ثقافة ووعي التبليغ عن قضايا إجرامية متنوعة، سواء تلك الماسة بالأشخاص أو بالأمن العام.
ومن بين إجمالي 7083 إشعارا توصلت به، رصدت منصة “إبلاغ” للمديرية العامة للأمن الوطني قضايا تنوعت بين “الجرائم المرتبطة بالتكنولوجيات الحديثة (6788 إشعارا) والتحريض والإشادة بأعمال إرهابية (295 إشعارا)”، إلى جانب “انتهاك حقوق وحريات الأطفال القاصرين، والتهديد بالمساس بالسلامة الجسدية للأشخاص والنصب والاحتيال والابتزاز”.
بتحليل المعطيات والبيانات المرقمة لنوعية التبليغات، فإن المعالجة منها استحوذت عليها تلك المتصلة بـ”قضايا النصب والاحتيال الرقمي” (60 بالمائة)، ثم “قضايا الابتزاز الجنسي” (20 بالمائة)، متبوعة بقضايا السب والقذف (10%)، فضلا عن قضايا “العنف والتهديد باستعمال العنف” (5%)، وباقي المحتويات الرقمية المتعلقة بالتحريض على ارتكاب جرائم ضد الأشخاص والاتجار بمواد ممنوعة عبر الإنترنيت والاستغلال الجنسي” (5%).
“إقبال كبير يواكب تطور الجريمة الإلكترونية”
معلقا على الموضوع، أبرز الطيب هزاز، خبير مغربي في الأمن الرقمي والمعلوماتي، أن عددا من الباحثين والخبراء والمهتمين بهذه النوعية من القضايا المبلغ عنها تفاجؤوا بحصيلة ثلاثة أشهر من عمل منصة “إبلاغ” بعد إطلاقها لأول مرة بالمغرب، مؤكدا أن “أرقام الحصيلة الواردة في بلاغ الأمن الوطني هي مؤشر واضح على تنامي ثقافة التبليغات عن كل تجاوز أو شبهة احتيال أو جرائم”.
ولفت هزاز، في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “المديرية العامة للأمن الوطني، عبر فرقها وخلاياها التقنية المتخصصة، طورت من مواكبة الجرائم الإلكترونية والرقمية كما ونوعا وسرعة في المعالجة والتعاطي”، مستدلا على ذلك بأن “أغلبها يبقى مرتبطا بالتكنولوجيا الحديثة وقضايا الإشادة بالإرهاب”.
واعتبر الباحث المغربي في الأمن الرقمي والمعلوماتي أن حصيلة 6788 إشعارا عولجت من طرف المصالح التقنية للأمن وتعاطت معها بجدية وسرعة مطلوبتين، “تبقى حصيلة جد إيجابية”، مشددا على أن “المغاربة باتوا أكثر وعيا بخطورة وثقل فاتورة عدم التبليغ الأمني وبهوياتهم الحقيقية، خصوصا في قضايا النصب والاحتيال التي وصلت 60 بالمائة”.
وتابع شارحا أن “هيمنة قضايا النصب والاحتيال تعني تجذر ثقافة إجرامية لدى بعض الشبكات أو الأفراد الذين قرروا المرور إلى الربح بشكل سريع وبدون أي مجهود، بل وبأي بطريقة من الطرق”، معتبرا أن “قضايا النصب التي باتت تسجل مؤخرا مرتبطة باستخدام تطبيق تلغرام في قضايا النصب والاحتيال، وكذا عبر مزاولة التجارة الإلكترونية أو عن طريق عروض وهمية للعمل أو الهجرة…”.
في السياق ذاته، فسر هزاز أن “نشر الحصيلة عن كل الإشعارات وتفاصيلها، يعني ترسيخ الإحساس بالارتياح وإشاعة الأمن العام بين المواطنين في الفضاءات الرقمية التي باتت متشابكة وتتسم بالتداخل والتعقيد في بعض الأحيان”، مسجلا أن “الجرأة والتشجيع على التبليغ يدفعان مصالح الأمن وفرقه التقنية إلى مباشرة التحريات وتوقيف المشتبه فيهم، أو تعميق البحث في أفق عرضهم على العدالة، وهو ما تم فعلا في بعض الملفات”.
كما لفت الخبير الرقمي إلى “تطوير ثقافة بين المواطنين نحو تجاوز الخوف من التبليغ عما يتعرضون له من مضايقات رقمية بهويات حقيقية بشكل يضمن تجنب فخ الشكاية الكيدية أو المجهولة، خصوصا في قضايا قد تتصل بالابتزاز الجنسي”، معتبرا أن “حصيلة منصة إبلاغ الرقمية ستدفع عددا من محترفي النصب والابتزاز وشبكات الاحتيال الرقمي إلى مراجعة حساباتهم قبل ممارسة نشاطاتهم الإجرامية، خصوصا في ظل استمرار زخم انتظامية نشر أرقام الحصيلة بشكل دوري”.
“حصيلة دالة وقرب معلوماتي”
محمد عصام لعروسي، باحث في الشؤون الأمنية والقضايا الاستراتيجية، أكد بدوره أن “حصيلة منصة إبلاغ في الأشهر الثلاثة الأولى من عملها تبقى دالة على مؤشرات عديدة” تدفع في اتجاه تعزيز الإحساس بالأمن وتقوية علاقات الثقة المتبادلة بين مؤسسة الأمن وعموم المواطنين.
وتفاعل لعروسي، في حديث لهسبريس، مع الشق المرتبط بقضايا الإرهاب والتطرف المبلغ عنها؛ إذ إن منصة “إبلاغ” سجلت ما مجموعه 295 إشعارا حول “قضايا الإشادة والتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، من بينها 85 إشعارا حول أنشطة معلوماتية مرتبطة بالإشادة بنشاط تنظيم داعش الإرهابي، وهي الإشعارات التي تم التفاعل معها بالجدية المطلوبة من خلال فتح الأبحاث الضرورية بشأنها”، وقال معلقا إن هذا “يعكس رغبة من طرف المجتمع المغربي بمختلف فئاته ومكوناته في الحفاظ على السلم والأمن واستتباب الاستقرار باعتباره صمام أمان”.
ولفت الخبير ذاته إلى أن “المغاربة باتوا أكثر إدراكا لمستوى تقدير المخاطر التي تشكلها الظواهر الإرهابية انطلاقا من الإشادة بها أو التحريض عليها، خصوصا أن هذا الجانب من القضايا عادة ما كان يتعرض للتهويل، غير أن مجهودات المنصة ومصالح الأمن ميدانيا تؤكد نهج التحقق من حقيقة التبليغات المتوصل بها وتدارسها”.
وبخصوص باقي القضايا، قال لعروسي لهسبريس: “هي أرقام كبيرة تعبر عن مؤشرات جيدة حول جدية تعاطي المصالح الأمنية مع كل إبلاغ حسب نوعيته وطبيعته ومصدره ودرجة تهديده لسلامة المواطن أو الأمن العام”، مسجلا أن ذلك يعبر عن “نجاح منصة إبلاغ في تجسيد القرب المعلوماتي للمديرية العامة للأمن الوطني، التي ما فتئت تواكب التحولات التكنولوجية والرقمية والتهديدات المتصاعدة عبرها”، خاتما بأن “السلطة التقديرية تظل بيد الأمن لتقدير درجة الخطورة عند كل إشعار وترتيب المساطر والجزاءات في حال ثبوت الجريمة المبلغ عنها”.