“كل يوم يشبه يوم المرأة العالمي”، بهذه العبارة وصفت الممرضة الفرنسية من أصول مغربية إيمان معارفي، التي عملت متطوعة في قطاع غزة، مكانة المرأة في المجتمع الفلسطيني، وقالت إن ما لمسته من احترام كبير للمرأة في غزة كان له أثر عميق عليها.
وفي حديث لوكالة الأناضول التركية، أوضحت معارفي أنها سافرت إلى مدينة خان يونس في قطاع غزة، حيث عملت متطوعة في المستشفى الأوروبي لمدة أسبوعين، خلال شهر يناير 2024، وسط استمرار العدوان الإسرائيلي، وساهمت في تقديم الرعاية الطبية وساعدت في تضميد جراح الفلسطينيين.
الممرضة المسلمة معارفي تحدثت عن دوافعها لاختيار مجال الرعاية الصحية، كما سلطت الضوء على مكانة المرأة في المجتمع الغزي، مؤكدة أن التجربة التي خاضتها في غزة أثّرت فيها بشدة.
وأشارت معارفي إلى أنها وصلت إلى غزة في مهمة إنسانية في ظل استمرار “الإبادة الجماعية”، وقالت: “لو لم أكن أتحدث العربية، ولو لم أكن إنسانة مؤمنة، لما استطعت تجاوز الصعوبات والوصول إلى غزة”.
وأضافت أنها اختارت التمريض بدافع الرغبة في الحصول على المكافأة في الدنيا والآخرة، قائلة: “كنت أبحث عن مهنة ذات تأثير مضاعف، ولهذا اخترت مجالًا يُعنى بالإنسان، حيث أعمل على علاج المرضى ومساعدتهم”.
كما تحدثت معارفي عن توقيت سفرها إلى غزة، مشيرة إلى أنها كانت عائدة من المغرب، الذي كان وقتها قد تعرض لزلزال مدمر، حين وقعت أحداث 7 أكتوبر 2023، وقالت: “تواصلت فورًا مع كبرى المنظمات غير الحكومية لأتمكن من الذهاب إلى غزة، لأنني كنت أدرك أن كارثة كبيرة على وشك الحدوث”.
مساواة لم أكن أتوقعها
وأوضحت معارفي أن النساء اللاتي يشاركن في مهمات الإغاثة الإنسانية في غزة يتمتعن بامتيازات معينة، مشددة على أن “هذا في الواقع ميزة حقيقية، لأن على الجميع أن يدرك مدى احترام الفلسطينيين للمرأة، ودورها المحوري في قلب الحياة”.
ونوهت معارفي أنها تناولت في غزة الطعام الذي كان في أغلب الأحيان يُعده الرجال، قائلة: “وجدتُ مساواة لم أكن أتوقعها”.
كما لفتت إلى الاحترام الكبير الذي يُبديه الفلسطينيون تجاه العاملين في المجال الإنساني، مشيرةً إلى أن العاملات في الإغاثة يحصلن على غرف مجهزة بحمامات خاصة، ويُمنحن الأولوية في توزيع الطعام، فيتم تقديم الطعام إليهن أولًا، وإذا تبقى شيء، يتم تقديمه للزملاء الرجال.
كل يوم في غزّة هو 8 مارس
وتطرقت معارفي إلى التحديات التي تواجهها النساء في غزة، لا سيما في ظل صعوبة الوصول إلى مستلزمات النظافة الشخصية.
وأكدت أن الأمهات الفلسطينيات يُقدّمن أطفالهن على أنفسهن في جميع الظروف، مشيرةً إلى أنها رأت نساء لم يتمكنّ من الاستحمام يوميًا، لأنهن يفضلن استخدام المياه القليلة المتوفرة لغسل أطفالهن.
كما لفتت إلى أن الأمهات في غزة، نظرًا لما يعانينه من مشكلات صحية مثل الإمساك المزمن الناتج عن الاعتماد الكبير على الأرز في الغذاء، كنّ يحرصن على إعطاء أطفالهن الأطعمة الغنية بالألياف.
وأكدت معارفي أن غريزة الأمومة تصبح أكثر عمقًا في مناطق الأزمات الإنسانية، موضحةً: “بالتأكيد، غريزة الأمومة موجودة دائمًا، لكن خلال الأزمات والإبادة الجماعية، تصبح هذه الغريزة أقوى بكثير، بحيث لا يبقى لدى الأمهات أي أولويات أخرى سوى أطفالهن”.
وختمت معارفي حديثها بالتأكيد على أن ما لمسته من احترام كبير للمرأة في غزة كان له أثر عميق عليها، قائلة: “هذا أمر أثّر بي بشدة خلال وجودي في غزة. هناك، يكرّمون النساء يوميًا. في غزة، كل يوم يشبه يوم المرأة العالمي (الثامن من مارس). ربما علينا نحن في الغرب أن نتعلم منهم”.
يُشار إلى أن السلطات الفرنسية كانت قد اعتقلت الممرضة إيمان المعرفي، شهر شتنبر الماضي، بعد تطوعها بغزة، حيث تم تفتيش منزلها واقتيادها إلى مركز الشرطة أمام أنظار أطفالها وزوجها، وذلك عقب اتهامها من قبل السلطات بتهمة “التهديد بالقتل بسبب العرق أو الدين”، قبل أن يتم إطلاق سراحها بعد ذلك.
وكانت الممرضة الفرنسية ضمن أول وفد طبي من جمعية “بالمد أوروبا” يذهب إلى قطاع غزة لعلاج ومساعدة الضحايا الفلسطينيين بمستشفى خان يونس، وفور عودتها إلى فرنسا، أدلت بشهادتها حول الفظائع التي تدمر أهالي القطاع المحاصر نفسيا وصحيا على وسائل الإعلام وخلال جلسة داخل الجمعية الوطنية.
وفي يوم “المرأة العالمي” الموافق 8 مارس من كل عام الذي يخصصه العالم للاحتفال بإنجازات النساء في مختلف أنحاء المعمورة، يتحول في غزة إلى يوم يعكس المعاناة والألم في قطاع غزة “المنكوب”.
وقتلت إسرائيل خلال إبادتها الجماعية لغزة نحو 12 ألفا و316 سيدة فلسطينية، وفق آخر إحصائيات المكتب الإعلامي الحكومي في القطاع.
وبدعم أمريكي ارتكبت إسرائيل بين 7 أكتوبر 2023 و19 يناير 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 160 ألف قتيل وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.
* المصدر: الأناضول (بتصرف)