ارتباط الرأسمالية والإمبراطورية
في القرن التاسع عشر، أصبح الارتباط بين الرأسمالية والإمبراطورية أكثر قوة. لم تكن الشركات بحاجة لإنشاء مستعمرات خاصة أو إدارتها، بل كان مديروها ومساهموها يتلاعبون بأوتار السلطة في لندن وأمستردام وباريس، وكان بإمكانهم الاعتماد على الحكومات الغربية لرعاية مصالحهم. وبذلك، أصبحت الحكومات الغربية على وشك أن تصبح اتحادًا تجاريًا رأسماليًا.
في كتابه “العاقل: تاريخ مختصر للنوع البشري”، يروي يوفال هراري حرب الأفيون الأولى بين بريطانيا والصين في النصف الأول من القرن التاسع عشر. كما يوضح الكاتب كيف تعلمت مصر احترام نفوذ الرأسمالية البريطانية بعد أن اقترض حكامها أموالًا ضخمة من بريطانيا وفرنسا لتمويل بناء قناة السويس. ومع مرور الوقت، تدخل الدائنون في الشؤون المصرية، مما دفع القوميين المصريين للإعلان عن تمردهم وإلغاء الديون الأجنبية، ما أدى إلى إرسال بريطانيا جيشها وعودتها لتكون مصر محمية بريطانية.
حروب لحماية المصالح الرأسمالية
يعتبر هراري أن هذه الحروب كانت تهدف إلى حماية مصالح المستثمرين. ويوضح أن الحرب قد تصبح سلعة بحد ذاتها، كما حصل في تمرد اليونانيين ضد الإمبراطورية العثمانية، حيث أرسلت بريطانيا أسطولًا أغرق الأسطول العثماني في معركة نافارينو.
يشير هراري إلى أن العلاقة الوثيقة بين رأس المال والسياسة كان لها آثار بعيدة على سوق الائتمان. فقد أصبحت بريطانيا تعلم أن من يرفض سداد القروض سيجد أن جيش صاحبة الجلالة سيعيد للمستثمرين أموالهم. ونتيجة لذلك، أصبح التصنيف الائتماني للبلد أكثر أهمية لرفاهه الاقتصادي من موارده الطبيعية.
عقيدة السوق الحرة
يؤكد الرأسماليون المتشددون على أن رأس المال يجب أن يتمتع بالحرية في التأثير على السياسة، في حين يجب أن يكون تأثير السياسة على رأس المال محدودًا. فهم يعتقدون أن تدخل الحكومات في الأسواق يؤدي إلى استثمارات غير حكيمة ويعوق النمو. ويرون أن السياسة الاقتصادية الحكيمة هي تلك التي تضع الحد الأدنى من الضرائب وتنظم الحكومة بشكل ضئيل، مما يسمح لقوى السوق بالتحكم بحرية في مسارها لتحقيق أرباح أكبر. وقد انتشرت عقيدة السوق الحرة بشكل واسع.
ينتقد دعاة السوق الحرة التدخلات العسكرية في الخارج، مؤكدين على أن الموارد الاقتصادية الأكثر أهمية هي الثقة في المستقبل من خلال التشريعات ضد الغش ودعم الشرطة والمحاكم لضمان تطبيق القانون.
مخاطر الجشع الرأسمالي
يشير هراري إلى أن هناك العديد من الأسباب التي تبرر إعطاء الأسواق حرية كاملة في العمل، وفقًا لفكرة آدم سميث بأن الجشع الأناني قد يكون مفيدًا للجميع إذا أدى إلى توسيع الإنتاج وتوظيف المزيد من العمال. لكن إذا تم دفع أجور أقل وزيادة ساعات العمل، فسيترك أفضل العمال تلك الوظائف، مما يجبر الرأسماليين على تحسين ظروف العمل.
يعتقد هراري أن هذا المنطق يؤدي إلى احتكار السوق واستغلال العمال، مما يحد من حريتهم في التنقل ويجعلهم عرضة للديون والاسترقاق. كما أن الرأسمالية لا تضمن توزيع الأرباح بشكل عادل، وقد تؤدي الرغبة في زيادة الأرباح إلى إهمال القيم الأخلاقية، ما قد يؤدي إلى كوارث. ويذكر أن الرأسمالية قتلت ملايين البشر بسبب اللامبالاة والجشع، وأن القرن التاسع عشر لم يشهد تحسينات في أخلاقيات الرأسمالية، بل أدى إلى معاناة ملايين العمال من الفقر المدقع.
التحديات المستقبلية للنمو الاقتصادي
تعترف الرأسمالية بالانتقادات الموجهة إليها، وتؤكد أنها خلقت عالمًا لا يمكن لأي قوة أخرى أن تجاريها فيه. كما تجادل بأن الشيوعية كانت أسوأ بكثير، ولا يجرؤ أحد على تكرار تجربتها. ويعزز هذا الرأي بالقول إن الكعكة الاقتصادية ستكبر مع مرور الوقت، وأن الجميع سيحصل على جزء أكبر من الفوائد إذا زادت الكعكة. ومع ذلك، يبقى السؤال: هل تملك الرأسمالية القدرة على الاستمرار في النمو دون استنزاف موارد كوكب الأرض؟
يعتمد النمو الاقتصادي على الطاقة والموارد الأولية، وإذا نفد أي منهما، قد ينهار النظام الاقتصادي. ومع ذلك، وفقًا للتاريخ، يبدو أن هذه الموارد ليست محدودة كما كان يُعتقد. ففي كل مرة تهدد الموارد المتاحة النمو الاقتصادي، تتدفق الاستثمارات في البحث العلمي والتكنولوجي، مما أدى إلى استغلال أفضل للموارد الحالية واكتشاف أنواع جديدة من الطاقة والمواد الخام.
الثورة الصناعية وتطور الطاقة
يتناول هراري تطور الصناعات وتحديات الطاقة، ويستعرض كيفية استغلال الطاقة والموارد بطرق جديدة. ففي صناعة السيارات، على سبيل المثال، استُخدمت مواد مثل التيتانيوم والألمنيوم، وقد تم إنتاج هذه المواد باستخدام الآلات بدلاً من الحرفيين التقليديين. وهذا يوضح كيف يمكن للثورات التكنولوجية أن تفتح آفاقًا جديدة.
يتساءل الكاتب عن سبب الخوف من نفاد الطاقة والموارد. ويؤكد أن ما ينقص هو المعرفة الكافية لتسخير هذه الموارد بما يتناسب مع احتياجاتنا. ويؤدي هذا إلى اكتشاف مصادر جديدة للطاقة والمواد الخام، مثل البلاستيك والسليكون والألومنيوم، مما يفتح فرصًا جديدة للاقتصاد العالمي.