بعد سنوات من توقيع اتفاقية لتطوير سياحة الجبال والواحات بجهة درعة تافيلالت بين عدة وزارات ومؤسسات، يبدو أن تنفيذ المشروع، الذي تبلغ كلفته 1.388 مليار درهم، لم يأخذ طابعه الجدي على أرض الواقع. إذ لم يتم إنجاز هذا المشروع حتى الآن، رغم انقضاء الآجال المحددة لتنفيذ الشطر الأول.
وتعود أطوار هذه الاتفاقية إلى سنة 2022، حيث تم توقيع اتفاقية هامة بين عدة أطراف لتمويل وتنفيذ برنامج طموح يركز على تطوير السياحة الجبلية والواحات في جهة درعة تافيلالت. وتبلغ التكلفة الإجمالية لهذا البرنامج 1.388 مليار درهم، ويشمل مجموعة من الأطراف الموقعة على الاتفاقية.
وزارة معنية
وشملت الاتفاقية التي اطلعت عليها جريدة “العمق”، كلا من وزارة الداخلية، ووزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، ووزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بالإضافة إلى وزارة الشباب والثقافة والتواصل، كما شارك في توقيع الاتفاقية مجلس جهة درعة تافيلالت، وولاية جهة درعة تافيلالت، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، والشركة المغربية للهندسة السياحية، وكذلك المركز الجهوي للاستثمار درعة تافيلالت.
المشروع، حسب المصدر ذاته، تم تقسيمه على مرحلتين المرحلة الأولى تتعلق ببرنامج استعجالي يمتد من 2022 إلى 2024، والذي خصص له مبلغ قدره 547 مليون درهم، الجزء الثاني يتعلق ببرنامج تكميلي يمتد من 2025 إلى 2027، وخصص له مبلغ إجمالي قدره 841 مليون درهم.
وبشكل مفصل فقد قسمت المساهمات المالية بين المساهمين خلال البرنامج الأولى على الشكل التالي حيث كان مجلس الجهة هو أكبر المساهمين بمبلغ قدره 272.5 مليون درهم، تليه وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي عبر الشركة المغربية للهندسة السياحية بمساهمة قدرها 166 مليون درهم.
كما ساهم قطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمبلغ 8 مليون درهم، ووزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات بمبلغ 33 مليون درهم، فيما بلغت مساهمة الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان 25 مليون درهم، والمديرية العامة للجماعات الترابية بمبلغ 23 مليون درهم، وشاركت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بمبلغ 10 مليون درهم، ووزارة الشباب والثقافة والتواصل بمبلغ 9.5 مليون درهم.
أما في إطار البرنامج التكميلي للفترة 2025-2027، برز مجلس الجهة كأكبر المساهمين بمبلغ 338 مليون درهم، تليه وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد عبر الشركة المغربية للهندسة السياحية بمساهمة قدرها 244 مليون درهم، بينما ساهمت وزارة الشباب والثقافة والتواصل بمبلغ 111 مليون درهم، فيما تبلغ مساهمة وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات 43 مليون درهم.
فيما تشارك وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة بمبلغ 34 مليون درهم، وتساهم الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان بمبلغ 27 مليون درهم، والمديرية العامة للجماعات الترابية بمبلغ 24 مليون درهم، وقطاع الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بمبلغ 20 مليون درهم، وتوزعت هذه المساهمات على مدار ثلاث سنوات، حيث بلغت 239 مليون درهم في عام 2025، و260 مليون درهم في عام 2026، و342 مليون درهم في عام 2027.
مشروع لم يرى النور
وحسب الوثيقة، يتولى مجلس جهة درعة تافيلالت مسؤولية تنفيذ هذا المشروع وفقا لمضامين الاتفاقية، باعتباره الجهة المشرفة عليه، وبصفة استثنائية، تعهد مسؤولية “صاحب المشروع” وفيما يخص بعض المشاريع تعهد إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية.
وأسندت مهام صاحب المشروع المنتدب إلى شركة التنمية الجهوية السياحية SDR Draa Tafilalet Tourisme Développement، والتي تتولى تفعيل وتنفيذ مضامين البرنامج موضوع هذه الاتفاقية.
في هذا السياق، أوضح خبير المجال السياحي الزوبير بوحوت، أن الاتفاقية الخاصة بتنمية القطاع السياحي بجهة درعة تافيلالت تشهد تعرًا واضحا، رغم توقيعها من قبل عدة وزارات وأربع مؤسسات أخرى، وذلك في ظل غياب أي تنفيذ فعلي للمشاريع المقررة، مؤضحا أن أيا من هذه المشاريع لم ير النور في أي من أقاليم الجهة، مرجعا ذلك إلى غياب إشراك المهنيين خلال إعداد الوثيقة المرجعية لهذه المشاريع، فضلا عن التأخر في تنفيذها.
وكشف المتحدث أنه مع بداية السنة الجارية، بادرت الجهات المسؤولة إلى التشاور مع العمالات من أجل تغيير بعض المشاريع، عقب تعيين والي جديد، وذلك بسبب تباين الرؤى بين العمال الجدد الذين جاءوا بتصورات مختلفة.
وحسب بوحوت فإنه وعلى الرغم من انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاقية، التي كان من المفترض أن تشهد تنفيذ المشاريع الموقعة، إلا أن المشاورات الجارية تعيد النظر في نوعية المشاريع الممكن تنفيذها، وهو ما يعكس رغبة المسؤولين الجدد في تعديل بعض بنود الاتفاقية.
ويرى بالمتحدث أن هذه المشاورات كان ينبغي أن تتم عام 2021 بمشاركة جميع الفاعلين المعنيين، مسجلا أن أي تعديل على الاتفاقية يتطلب إما إلغاؤها أو إعادة التصويت عليها داخل المجلس، مما يطرح تساؤلات حول موقف الشركاء الذين وقعوا الاتفاقية بناء على مشاريع محددة سلفا.
كما أن الموافقة على التعديلات المقترحة تطرح إشكالية مصير المشاريع التي كانت مقررة لعام 2022، إذ يتعين على جميع الأطراف الموقعة الموافقة على التعديلات، مما قد يؤدي إلى تعطيل التنفيذ أكثر فأكثر.
صراعات ثنائية
وأوضح بوحوت أن الاتفاقية لا تعالج الاختلالات الكبرى التي يعاني منها القطاع السياحي في الجهة، حيث لا تزال مشكلات البنية التحتية قائمة، إلى جانب نقص الربط الجوي، حيث يطالب المهنيون تعزيز الخطوط الجوية على غرار مدن أخرى، في حين أن المشاريع المدرجة في الاتفاقية لم تُعالج هذه الإشكالية.
من بين المشاريع المثيرة للجدل، حسب المهني مشروع إنشاء ملعب غولف في الصحراء بتكلفة 100 مليون درهم في الراشيدية، وهو ما يثير تساؤلات حول جدواه في ظل أزمة ندرة المياه، ومدى مساهمته في تطوير سياحة الغولف بالمنطقة.
أما في ورزازات، فقد كانت هناك آمال كبيرة بشأن تعزيز البنية الثقافية والسياحية، لاسيما عبر إنشاء المتاحف، غير أن هذه المشاريع لم تحظ بالأولوية اللازمة، واعتبر بوحوت أن الأولوية يجب أن تمنح للبنية التحتية، المتاحف، وتعزيز النقل الجوي، بدل التركيز على مشاريع قد لا تكون ذات جدوى اقتصادية واضحة.
وكشف المتحدث أن السبب وراء التأخر في إنجاز الاتفاقية يعود إلى وجود خلاف بين بين الجهة ووزارة السياحة، حيث طلب رئيس الجهة تعديل الاتفاقية دون الرجوع إلى المجلس، رغم أن أي تعديل يستوجب تصويت المجلس عليه، كما أن الاتفاقية نصت على إنشاء شركة جهوية للسياحة، لكن هذه الشركة لم تر النور بعد بسبب عقبات إدارية وتنظيمية.
كما طرح مقترح منح وكالة تنفيذ المشاريع بالجهة صلاحية تنفيذ الاتفاقية، إلا أن هذا المقترح قوبل برفض وزارة السياحة، نظرا لأن هذه الوكالة مكلفة بعدة مهام ولا تمتلك الخبرة الكافية لتنفيذ مشاريع سياحية بهذا الحجم، خلافا لشركة الهندسة السياحية التي تتمتع بخبرة واسعة في هذا المجال.
وأشار بوحوت إلى أن الوالي الجديد يحاول إعادة صياغة الاتفاقية عبر تقديم تصورات جديدة، إلا أن مصير هذه التعديلات يظل غير واضح في ظل عدم اتضاح موقف الأطراف الموقعة، وخاصة الوزراء الجدد، ويبدو أن الاتفاقية مرشحة لمزيد من التأجيل والمماطلة.
وفي الوقت الذي يفترض أن يضطلع المجلس الجهوي للسياحة بدور أساسي في توجيه هذه المشاريع، أكد المتحدث أنه يعيش حالة من الجمود، حيث يطالب أعضاء مكتبه التنفيذي بإقالته، كما أن المجلس الإقليمي للسياحة، الذي ظل شبه مجمد لمدة ثلاث سنوات، لم يتمكن حتى الآن من تقديم رؤية واضحة رغم تجديد مكتبه مؤخرا.
مشروع شامل
وبالعودة للوثيقة، فإن هذه الاتفاقية تعتبر جزءا من استراتيجية شاملة لتعزيز القطاع السياحي في هذه الجهة، التي تعد واحدة من أبرز الوجهات الطبيعية في المغرب، كما يسعى هذا البرنامج إلى خلق فرص جديدة لتنمية السياحة المستدامة من خلال دعم المشاريع السياحية التي تتمتع بخصوصية محلية تعكس الثقافة والتراث الغني لهذه المنطقة.
وتهدف الاتفاقية إلى تحديد الالتزامات المشتركة بين الأطراف المعنية، وضمان تمويل وتنفيذ مشاريع سياحية تركز على تحسين البنية التحتية للمناطق الجبلية والواحات، وتشمل الاتفاقية تقديم دعم مالي وتقني للمقاولات السياحية الصغيرة والمتوسطة في العالم القروي، مما يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي المحلي، في إطار هذه المشاريع، سيتم تسخير الإمكانات المادية، البشرية، والتقنية للشركاء لضمان تنفيذها وفق أفضل المعايير.
وتضمنت الاتفاقية مجموعة من المشاريع التي تهدف إلى خلق أقطاب سياحية تنافسية، ومنها تطوير المدارات السياحية المتنوعة التي ستشمل مناطق مثل الراشيدية، ورزازات، ميدلت، تنغير، وزاكورة، هذه المدارات ستشمل موضوعات مختلفة مثل “حدائق الواحات”، و”شمس الواحات”، و”حصون الواحات”، مما يعزز جاذبية هذه المنطقة كوجهة سياحية متميزة، ليس فقط على المستوى الوطني بل أيضا على الصعيد الدولي، إضافة إلى ذلك، تهدف الاتفاقية إلى تأهيل السياحة في ضيعات الواحات وتطوير الأنشطة الرياضية والترفيهية، مما يسهم في تعزيز تجربة السياح وتوسيع قاعدة الأنشطة السياحية في المنطقة.
وأوردت الوثيقة أن خلق آلية لدعم المقاولات السياحية المحلية، يعد من أهم أهداف المشروع، حيث سيتم تقديم حوافز وتحفيزات مالية للمشاريع السياحية المبتكرة، كما سيتم توفير دعم مادي للمستثمرين في مجال الإيواء السياحي البديل عبر تقديم منح تصل إلى 20% من قيمة الاستثمار، مما يسهم في تسريع وتيرة تنفيذ المشاريع السياحية في المناطق القروية، بالإضافة إلى تزويد المقاولات الصغيرة والمتوسطة بالاستشارات والتوجيه، وتوفير منصة رقمية تفاعلية لدعم هذه المشاريع من مرحلة التصميم حتى التشغيل.