يعدّ مولاي رشيد الدرقاوي الحسني آخر شيوخ الطريقة الدرقاوية في فاس (حي العيون، قرب راس الجنان). وكان من حفّاظ “الملحون” وناظميه.
إعداد – عبد الرزاق المراكشي –le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
الزاوية الدرقاوية
تُصنّف الزاوية الدرقاوية الحسنية كواحدة من أهمّ الزوايا التي شهدتها مدينة فاس، والتي لعبت دورا أساسيا في الحياة السياسية للعاصمة العلمية، وظلت تحظى باهتمام خاص من السلطان مولاي الحسن الأول، الذي أنه زارها عدة مرّات. ويُحكى أنه كان يتبرك بالشرفاء الدرقاويين وكان يزورهم على الدوام في الزاوية.
يعدّ مولاي رشيد الدرقاوي الحسني آخر شيوخ الطريقة الدرقاوية في فاس (حي العيون، قرب راس الجنان). وكان من حفّاظ “الملحون” وناظميه.
وقد أنجزت الباحثة حسناء بن عجيبة أطروحة دكتوراة بعنوان “التصوف ومشيخته في المغرب بين التبرك والتربية: الدرقاوية نموذجا ” أفادت فيها بأن الطريقة الدرقاوية لعبت دوراً في إحياء التصوف، الذي تجاوز جميع المغرب والجزائر وتونس، وصولاً إلى مصر والحجاز.
وقد نجحت الطريقة الشاذلية منذ ظهورها في المغرب (القرن الثامن الهجري/الـ14 الميلادي) في “حجب” كل الطوائف والطرق الصوفية في المغرب، حتى غدت في القرن الموالي الطريقة “الرسمية” للبلاد بحسب ما جاء في مقالة للدكتور الجيلالي كريم. لكنّ الظاهر، بحسب المصدر نفسه، أن بساطتها أساءت فهم عمقها عند أغلب الطرق الصوفية التي بالغ أتباعها في الاستفادة من رخص الشاذلية منحرفين عن فلسفتها وهدفها العامّ ومبتعدين عن روحها كطريقة أخلاقية -سلوكية، وكأنهم لم يتخلصوا من رواسب تصوفهم القديم، الذي أورثهم الإعراض عن العمل واللجوء إلى الكسل، فأفرطوا في الأخلاقيات وأهملوا العلم وبالغوا في التوكل، إلى درجة أن البعض لم تعد تحركه سوى لذة الرياسة والامتياز بالاختصاص، ما أحدث تزعزعا في التصوف الطرقي المغربي، اختلط معه أمر الصالحين بمُدّعي الصلاح من ذوي الأغراض الفاسدة والمشعوذين، حتى إنه لم يعد هناك فصل لدى العوام بين الغثّ والسمين من التصوف، وعَسُر تمييز الطيب من الخبيث.
وبناء على هذا، كان من الطبيعي، بحسب كريم، أن تظهر مجموعة من الشخصيات والتيارات الصوفية الإصلاحية الداعية إلى إعادة هيكلة الحقل الصوفي، اشتهر منها اثنان: محمد بن سليمان الجزولي (ت. 870 هـ/ 1465 م) وأحمد زروق البرنسي الفاسي (ت. 899 هـ/ 1493 م). وعلى مستوى الطوائف، اشتهرت الطريقة الدرقاوية، التي ظهرت خلال القرن الـ12 الهجري/ الـ18 الميلادي.
وإذا كانت الطريقة تنسب عادة، بحسب المصدر نفسه، إلى الشيخ العربي بن أحمد الدرقاوي (ت. 1239 هـ/ 1823 م) فإن المفهوم من المصادر أنه لم يكن واضعَ أسسها، وإنما ورث أسرارها من شيخه أبي الحسن علي بن عبد الرحمن العمراني الشهير بالجمل (ت. 1195 هـ/ 1780 م) الذي يمكن أن نؤكد أيضا -من خلال المصادر التي ترجمت له- أنه لم يكن مبدعها الأول، وإنما تلقى أسرار هذه الطريقة عن شيخه أبي حامد العربي بن أحمد بن عبد الله معن الأندلسي، الذي عرف بسلوكه القائم على التقشف الشديد، “حتى إنه لم يكن يركن إلا إلى السّفليات ولا يحب العلويات، ويجنح إلى الخراب وإلى أهل المسكنة والضعف”، بل لم يكن يرى العز إلا فيما هو سفلي، ما جعل الناس ينفرون منه بفعل حال الخراب الذي ظهر به، فلم يعد يعرفه أحد ولا يقر له بالفضل، وقلَّ جمعه وأصحابه نتيجة هذه السلوكات التي لا قِبَل لسلفه ولا لمتصوفة عصره بها، والتي تُشكّل في الوقت نفسه عصب التصوف الدرقاوي، بحسب ما أورج المصدر السابق ذكره.
تأسيسا على ذلك، لم يكن علي الجمل، بحسب كريم دائما، مبدع الدرقاوية، بقدر ما كان مهذبا لها، بل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونسمح لأنفسنا بالقول: إنه لم يسلك هذا الطريق إلا بأمر من شيخه. نقول هذا الكلام، ودليلنا في ذلك ما روته المصادر من أن العربي بن أحمد اختاره دون غيره من مريديه، وقال له: “أتحيي طريقا اندرست من زمن الجنيد إلى وقتنا؟ فقال نعم، فلبس المرقعة وصار يسأل”، ما يعني أن أصول الطريقة ترجع إلى شيخ المخفية العربي بن أحمد معن الأندلسي وأنه مبدعها و”شيخها في الحقيقة، وعنه سرت نسماتها إلى أزهار تلك الحديقة”. وإنما نُسبت إلى الشيخ علي الجمل لمّا انفرد بوراثة سر شيخه والأخذ بطريقته، واشتهر بها …