خلاَل رَمضَان المُوَالي .. كان يَوم أحَد أُعلن عن مَوت المَلك البطل محمد الخامس.
أخلى بَائعو لوَازم الحريرَة من ربيع وكرَافس ومَطيشة السّوق، وهرعوا إلىٰ قلب الدّوّار، ليستقرّوا تحت حَايط بنت السّي احمَد، بينمَا قادَت لالّة زينَب البُوفّية حَلقات النّحيب ورثاءَات المَندبة.. فحطوا وجوههم بأظافرهن وكسّروا قدور الحريرَة على رؤوسهن.
*حسَن الرّحيبي
اعتقدنا في دوارنا في سيدي ينور في دكالة، بمُشَاهدته علىٰ سَطح القمَر في اللّيَالي الصّافية المُقمرَة، ينَادي أهل الدوّار على بعضهم البعض بعد العشَاء:
نُوضُوا تشُوفوا سيدنا في الݣمرَة !
يهُبّ الجَميع نساءً ورجالاً وأطفالاً مَتبوعين بحَيوَاناتهم الأليفة، يصعدُون فوق أكوَام المَازير والدّكّانات المُرتفعة أمَام الأبوَاب العظيمة المُقوّسَة لمَنازل الرّويحَات :
الكل يردّد بحمَاس وشَوق:
رَاه رَاه رَاه ..!
موّجهين سبّاباتهم الخشنة العملاَقة، نحوَ القمر الأحمَر الذي ينشر السّعادة والبهجة والنور على قرى المنطقة المسَالمة الهادئة..
مَن لم يرَ شيئاً يجبره الكبار علىٰ الرّؤية الصّحيحَة بالعين المُجرّدة :
واينّي اتّا اعوَر ..فيردّد بدَوره مبتهجاً :
رَاه رَاه رَاه ..هيستيريَا حَقيقيَة بسَبب الإجمَاع الشّعبي عَليه كقائد كاريزمي charismatique لثورَة المَلك والشّعب ، ممّا أدّىٰ لنفيه لمَادَام كاشكار كما كان ينطقها آباؤنا..
اعتقدنا بتآمر النّصَارىٰ على قتله بجعل ليزَروَال تاع الطّيَارَة نَاشف تمَاماً من ليصَانص ، لكنه حسَب قصيدَة زوَان بݣيطون ولد النّمس ..
دَوّز عليه التّسبيح
وفَاض عليه ليصَانص
من كل الجّيه !
فأنقذ المَوقف واستمرّت الطائرة في التّحليق نحوَ المنفىٰ السّحيق ..
عَاد من المَنفىٰ فهَتف الجَميع مُندفعين نحو دَار القايد ولد بُوعلي.. وَافدين من جميع الدوَاوير ، ومن كل حدَب وصَوب ، بل من كل فجّ عَميق ، وعلىٰ كل ضَامر .. منذ الصّباح البَاكر :
يَحييييييييييىٰ المَليييك !
يَهتف الآخرُون تحت إيقاعَات الزّغَاريد الصّادحة المُنبعثة من كل مَكان :
بَن يسّف علىٰ عُرشه ! بَن يسّف علىٰ عُرشه !(بَن يوسف) ..
يَسقووووووووووط الخوَنة !
يَسقوووووووووووط البيّاعَة !
بَن عرَفة يَا لحمَار !
شوف سيَادَك في القمَر !
رَاب ݣادير( زلزال أكادير) فبكىٰ الجَميع ..
آلاَف الطائرَات تغدُو وترُوح ..اعتقدنا كلها تحمل محمّد الخامس ، فلوّحنا لها بأذرعنا المتجمّدة من شدّة بَرد الصّقيع ، وضُعف أسمَالنا المُهترئة وتهَلهلها البَادي للعيَان ، وفشَلها في حمَاية أجسَادنا الوَاهية النّحيلة من برد الشّتاء القارس ! ونحن نرعىٰ المَوَاشي في البرَاري الشّاسعة !
دخل الوَطنيون في قتل وصرَاع مع الخَائنين ..قيَاد وخُلفان اختُطفوا من أمَام القصر المَلكي .. واختُطف القايد بُوعلي نفسُه من طرَف الوَطنيين ..فغنّىٰ غورنيط بلحصيدَة :
لعفُو للّه
سيدنا جنّاه !
خلاَل رَمضَان المُوَالي ..كان يَوم أحَد أُعلن عن مَوت المَلك البطل محمد الخامس ..فرّ بَائعو لوَازم الحريرَة من ربيع وكرَافس ومَطيشة من السّوق إلىٰ قلب الدّوّار ، ليستقرّوا تحت حَايط بنت السّي احمَد ، بينمَا قادَت لالّة زينَب البُوفّية حَلقات النّحيب ورثاءَات المَندبة ..فحطوا وجوههم بأظافرهن وكسّروا قدور الحريرَة على رؤوسهن ..بينما نكّس الطالب سّي احمَد الألوَاح ، وأعلن الحدَاد لمُدّة أسبوع .. ونحن أطفال صغار لم نلج بعد المَدرسَة ، قالبين الألوَاح ونحن نردّد :
اللّهم صَللّي علىٰ
سيدينا محمدٍ وعلىٰ
آله وصَحبه وسلّم
اللّهم صَللّي علىٰ ..
انتشَر جُنُود بالسّوق بخَودَاتهم الحَديدية المَتينَة ، وبَنادق الكلاَطة القديمَة الرّهيبة ، وجلاَبيب الݣوم الخشنة المزركشة ..كانت عُيونهم زَرقاء فقال أبي إنّهم شلوح زَايَان !
بَكينا في المَرَاعي لمّا رَثىٰ غُرنيط المَلك الرّاحل بشَذو حزين يثير الأشجَان مرّةّ أخرىٰ .
وخلاَل مَوسم بنيفّو غنّىٰ مرّاكشيون مَوهوبُون علىٰ التّربُوكة والعود تحت ضَوء لاَنبة الغاز المُشعّة ، أغنية قالوا بأنها من وَحي المُناسبة المأساوية التّراجيدية بعيون المغاربة المنكوبين بسَبب الرّحيل المُفاجيء لأب الأمّة .. أبدَعُوا كلمَاتها وألحَانها هم أنفسُهم :
اللّه يَا سيدي مُحمّد لحبيب
بقيتي تَا مَتّي بين يدين التّبيب !
غادَرنا الحَلقة لنذهب عند صَاحب المنظار المكبّر .. بثمن ريَال وَاحد يعرضُ علينا صُورة مكبّرة للكلبة لاَيكة الرّوسية التي صَعدت إلىٰ القمَر .. وصُورة البَطلة الجزائرية :
جَميلة بُوحريد ..
ومحمّد الخامس يضَع لالّة غَريبة كما كانت تسميها مامّا عمّتي ، لأنها وُلدت بالمَنفىٰ(لالّة أمينة) ..يضَعها عَلىٰ ركبتيه الطاهرَتين ..
رَحم اللّه الجَميع