الحمزاوية أو زاوية سيدي حمزة نسبة إلى الشيخ حمزة أبي سالم عبد الله العياشي (ت. 1130 هـ/ 1717 م). وهي قرية صغيرة تقع في الأطلس الكبير جنوب ميدلت، وتحدها من الشمال الغربي السفوح الجنوبية الشرقية لجبل العياشي، ومن الجنوب الغربي قمة جبل أفداير.
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصّوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
الحمزاوية أو زاوية سيدي حمزة نسبة إلى الشيخ حمزة أبي سالم عبد الله العياشي (ت. 1130 هـ/ 1717 م). وهي قرية صغيرة تقع في الأطلس الكبير جنوب ميدلت، وتحدها من الشمال الغربي السفوح الجنوبية الشرقية لجبل العياشي، ومن الجنوب الغربي قمة جبل أفداير.
وبذلك تنفتح أكثر على الجهتين الشرقية والجنوبية الشرقية في اتجاه تافيلالت ومدينة الريش، حيث تمتد أهم خطوط العبور القديمة.
وقد أعطت هذه البيئة الجغرافية الجبلية للزاوية حصانة طبيعية، كما وفرت لها ثروة مائية مهمة مستمدة من ثلوج القمم أو من المياه الجوفية التي تغذيها مجموعة من العيون والأنهار الصغيرة، لا سيما النهر الذي يحمل اسم الزاوية ويعد من أكبر روافد واد زيز.
ويمكن الحديث عن المؤهلات نفس عند تناول دوافع الاستقرار البشري في المنطقة.
وقد كان لاستقرار أحد أفراد الأسرة المُؤسّسة للزاوية، وفق ما أفادت به نفيسة الذهبي (معلمة المغرب، ج. 11) دور في تكوين مجتمع القرية وفي القيام بعدد من الوظائف الدينية والتعليمة قبل أن تتوج مجهودات أحفاده بحدث تأسيس الزاوية العياشية (ت. 1044 هـ/ 1635 م) أسسها الشيخ محمد بن أبي بكر العياشي من أجل إرشاد قومه وتربيتهم، ونسبت إليه في البداية، ثم عرفت باسم ولده أبي سالم العياشي، قبل أن تستقر شهرتها باسم حفيده حمزة.
وإذا كان الحديث عن مُؤسّسة صوفية لها تاريخ متميز في الأطلس الكبير الشرقي يقتضي الإلمام بظرفية التأسيس وأصول التنظير وكيفية الممارسة فإننا نكتفي في هذا السياق بالإشارة إلى نقطتين، أولاهما طريقة الزاوية وأدوارها، وثانيهما اعتناء أبنائها بجمع الكتب وتأسيس مكتبة كانت ومازالت تعد من المكتبات النموذجية.
تتصل أسانيد طريقة سيدي حمزة بالشيخين محمد بن سليمان الجزولي وأحمد زروق، وهي من الطرق الشاذلية البسيطة التي تتناسب مع طبيعة البيئة البدوية، إذ يظهر من مبناها ووصفها الالتزام بالسنّة، والتعلق بالرسول عليه السلام واستقلال النفوذ الروحي من أجل تشجيع المريدين على طلب العلم، والمشاركة في الأمور الدينية والتثقيفية.
وإن كنا، بحسب المصدر نفسه، لا نعرف بالضبط صيغة الأوراد أو الأذكار التي رتبها شيوخها فإن الملامح المشار إليها تستنبط من سيرة شيوخها وعلاقاتهم مع طلبتهم، وكذا مما سجله أبو سالم العياشي في مؤلفاته عن تعاليم الطريقة الشاذلية وخصائصها.
فالشيخ المُؤسّس محمد بن أبي بكر العياشي تتلمذ للدلائيين وخدمهم واقتدى بهم، بل إنه أسس زاويته بإشارة منهم، ما جعل آثار انهزام الدلائيين على هذه الزاوية الحمزواية وتغريب العياشيين إلى فاس في 1082 هـ/ 1671 م، فقضوا سنة كاملة في المعاناة بسبب الروابط الروحية والعصبية القبلية التي تجمعهم مع الدلائيين.
أما كتب الزاوية الحمزواية فقد بدأ وفقها أيام الشيخ المُؤسّس وأخيه عبد الجبار، ووقع الاهتمام بها أكثر أيام الرحالة أبي سالم العياشي الذي جلب إليها مخطوطات كثيرة من المشرق، اشتراها أو أستنسخها. وزاد الاهتمام بالكتب لما ولي شؤون الزاوية ولده حمزة، الذي كانت له “رحلات إلى المشرق”.
والمكتبة الحمزاوية اليوم بمثابة حجرة صغيرة مرتفعة نسبيا توجد فيها ست خزائن خشبية مختلفة الأحجام ومملوءة بالكتب. ويظهر أن النسخ غدا عنصرا أساسيا في تقاليد أبناء الأسرة العياشية، فاضطلع به أعلام وشيوخ وطلبة بلغ عددهم تسعة، وإلى جانبهم كان هناك من يقوم بالنساخة للعياشين ولزاويتهم. كما كان علماؤهم يستكتبون المؤلفات من خارج الزاوية.
وإلى جانب الاقتناء والإنتاج والتلخيص والشروح، شكّل الإهداء مصدرا من مصادر تزويد المكتبة، وهناك عدة أمثلة مشرقية ومغربية. وقد كان للمكتبة الحمزواية نظام خاص، ينصب قيّما توكل إليه مهمة السهر على محتويات المكتبة والمحافظة عليها من المؤثرات الطبيعية أو من الضياع، بحيث كانوا يسجلون الكتب التي يعيرونها واسم المستعير ويطالبون بإرجاعها إذا اقتضى الأمر.
وتتوفر المكتبة على فهرس قديم وضعه مُؤسّسوها الأولون، لكن الفهرس المعتمد حتى الآن هو الذي كتبه السيد عبد النبي بن المجذوب الفاسي بتاريخ رجب 1268 هـ/ أبريل -ماي 1852 م، وهو محفوظ تحت رقم 245. فقد ظل معمولا به دون سواه وهو عمدة المحافظين على المكتبة.
وبعد الاستقلال توجهت بعثتان علميتان إلى زاوية سيدي حمزة، أولاهما في 1961، ومكثت في مهمتها أسبوعا وقفت خلاله على كل المخطوطات وتم ترقيم 250 مخطوطا منها.
كما وضعت للمخطوطات ثلاث لوائح استخرجت منها قائمة مطولة تشتمل على قسمين، الأول للمخطوطات التي تم ترقيمها وتسجليها، والثاني للمخطوطات التي وقع تسجليها ولم ترقّم، وعددها 356؛ والبعثة الثانية في 1962، ولبثت في مهمتها شهرا كاملا، وارتفع عدد المخطوطات المرقمة إلى 584 أو 864 مجلدا وضعت في خمس خزائن في المكتبة.