تقع الزاوية التاغية على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب مدينة ابن أحمد. وقد استطاعت هذه “القلعة” الصوفية أن تصمد عبر قرنين ونصف أمام عوادي الزمن لتُخرّج الآلاف من حفَظة القرآن الكريم وطلبة العلوم الشرعية واللغوية وتقوم بأدوار طلائعية اجتماعية
تقديم -عبد الرزاق المراكشي le12
“المغرب بلد الأولياء الصّالحين”.. مقولة تعكس المكانة الخاصّة التي يحظى بها التصوّف في المملكة المغربية، التي يمتدّ فيها الفكر والسلوك الصّوفيان إلى أزمنة بعيدة..
لو كنت مواطنا مغربيا، لربّما ساقتك الأقدار لأن تُجاوِر أحدَ هذه المباني الصّغيرة المسمّاة “الزّاوية”. فيها تقام الصّلوات الخمس في أوقاتها، باستثناء صلاة الجمعة. كما يُتلى في هذه “الرّباطات” القرآن وتقام العديد من العبادات التعبّدية الأخرى.
بمناسبة شهر رمضان المبارك، تقترح عليكم “Le12.ma” رحلة تاريخية في رحاب أشهر الزوايا والطرق الصّوفية في المغرب.
تقع الزاوية التاغية على بعد ثلاثة كيلومترات جنوب مدينة ابن أحمد. وقد استطاعت هذه “القلعة” الصوفية أن تصمد عبر قرنين ونصف أمام عوادي الزمن لتُخرّج الآلاف من حفَظة القرآن الكريم وطلبة العلوم الشرعية واللغوية وتقوم بأدوار طلائعية اجتماعية، كالإيواء والإطعام والإصلاح بين الناس والقبائل ومقاومة المستعمر، كاسبة بذلك احترام وتوقير السلطة الحاكمة، التي اعترفت لها بالفضل في شكل عدد من ظهائر التوقير والاحترام، لكنها لم تنل من التأريخ والاهتمام ما نالته أخواتها، ولم تجد، بحسب محمد فاضيلي، أياديَ أمينة تنفض عنها غبار النسيان وبقيت حلقة مفقودة في تاريخ الزوايا المغربية.
مؤسس التاغية هو الشيخ الجليل الحاج أحمد بن مسعود التاغي العبوبي الحمداوي، الذي تتلمذ على يد الشيخ العارف الحاج العربي الشرقاوي، الذي نصحه بتأسيس زاوية قرآنية في منطقة امزاب لتحفيظ القرآن الكريم بالقراءات السبع. وقد تنقل في عدد من الأماكن: زيو، العسيلات، عين الخميس، قبل أن يستقر به المقام ببئر المجذام، المكان الحالي، ليقصده الطلبة من كل الجهات، فيتولى أمر إيوائهم وإطعامهم وتعليمهم، بحسب المصدر نفسه.
بعد وفاته، خلفه أبناءه وأحفاده، في الإشراف عليها، إدارة وتدربسا وإيواء، إلى أن تسلمت المفاتيح جمعية الوعظ والإرشاد، قبل أن تسلمها لوزارة الأوقاف، وتحولها إلى مدرسة للتعليم العتيق الابتدائي والإعدادي.
وقد اختصّت الزاوية في عهد الشيخ المؤسس وخلفه الحاج المعطي بن الحاج التاغي بتدريس وتحفيظ القرآن الكريم على القراءات السبع.
وبدأت مرحلة الانتشار والتوسع مع الشيخ الحاج إدريس بن الحاج المعطي بن الحاج التاغي، الذي بنى زاوية جديدة إلى جانب الأولى، وأرسل طلبة من حفدة الشيخ إلى جامع القرويين للتوسع في العلوم الشرعية، واستمرت إلى الأبعينيات من القرن العشرين.
وتميزت هذه المرحلة بتدريس العلوم الشرعية واللغوية بطريقة الكراسي العلمية على يد الشيوخ الذين تخرّجوا من القرويين، بالإضافة إلى القرآن الكريم، حتى لقبت بقرويين الشاوية، ويكفي أن نشير إلى أن الفقيه الجيلالي بن الكانة الذي اشتغل فيها أكثر من أربعين سنة، قد تخرج على يديه أكثر من أربعة آلاف حافظ للقرآن.
أما مرحلة الركود فبدأت برحيل الشيوخ الذين تخرجوا من القرويين إلى دار البقاء في أربعينيات القرن الماضي وامتدت إلى بداية تسعينياته. وقد كان يشرف على إدارتها الحفيد الحاج التاغي بن المعطي، أول برلماني عن امزاب، إذ اقتصر التدريس فيها على تحفيظ القرآن الكريم على يد عدد من الفقهاء لبضعة طلبة فقراء، آخرهم الفقيه الحاج إدريس سراج، وقد أصاب الركود التعليم والإطعام والإيواء، ما جعل الطلبة يقبلون عليها بتحفظ.
وبحسب ما أفاد به المصدر نفسه، فقد بدأت مرحلة الإحياء والتجديد مع إشراف جمعية الوعظ والإرشاد في 1993 على الزاوية، والتي عملت على استقدام عدد من الفقهاء وتغيير المناهج الدراسية، وبلغت التألق في عهد الشيخ الجليل الحاج خالد الملوع، الذي عمل ما في وسعه، إدارة وتدريسا، على إحيائها وإنجاحها، كما أسهم في العمل على بناء المقر الجديد الذي بني على مساحة واسعة بعدما أخذت منها السيول كل مأخذ، ثم تنضمّ إلى وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، فتحولها إلى مدرسة عتيقة، تعمل وفق المنهاج الدراسي الرسمي للتعليم العتيق، ابتدائي وإعدادي.
وبحسب عمر زندي فقد كان للزاوية التاغية دور في الإشعاع العلمي في منطقة امزاب (في الشاوية) فقد “تعددت مهام الزوايا الدينية وأدوارها في المغرب عبر العصور، منها التعليمية والاجتماعية والطرقية الصوفية. وكانت هذه الأدوار في مجملها تهدف إلى ترسيخ الثقافة الإسلامية الأصيلة في المجتمع، والعمل على توفير مكان للعبادة، وجمع وإيواء طلبة العلم، ونشر المعرفة، ومواصلة نشر الدعوة الإسلامية.
وهكذا أساهمت الزوايا، في حدود طاقتها، وعبر مختلف أرجاء البلاد، في مختلف اهتمامات الناس المادية والمعنوية والروحية كرسالة نبيلة تستمدّ أصولها من منابع الكتاب والسنة وعمل السلف الصالح“.
وقد استمر التدريس في زاوية الحاج التاغي على يد مؤسسها الفقيه العلامة أحمد بن مسعود الحمداوي، الملقب بالتاغي تيمنا بأحد أعمام جده، وهو التاغي بن محمد، جد أولاد بن التاغي الذي كان يتقن القراءات السبع. وقد ولد أحمد بن مسعود حوالي سنة 1777 بمنطقة زايو شمال مدينة ابن أحمد الحالية.
ولما أتم حفظ القرآن الكريم بمسقط رأسه برواية ورش، وإتقانه القراءات السبع، ودراسة بعض متون الفقه واللغة، أرسله والده إلى جامع القرويين بفاس ابتداء من سنة 1795 لإتمام الدراسة في العلوم الشرعية. وهناك بالقرويين التقى بشيخ الزاوية الشرقاوية محمد العربي بن المعطي، الذي وصل إلى فاس سنة 1797 عندما قام بنفيه السلطان مولاي سليمان لخلافات بينهما حول البيعة، بحسب المصدر المذكور.
وقد لازم أحمد بن مسعود التاغي شيخ الزاوية الشرقاوية، إذ أخذ عنه العلوم الشرعية واتبع تعاليمه وأوراده الصوفية إلى أن صدر في حقه العفو السلطاني. وعند عودته إلى أبي الجعد، رافقه إلى هناك، ثم بقي ملازما له حتى أذن له بالرجوع إلى قبيلته للتدريس. وكان ذلك حوالي سنة 1805.
ثم إنه أقام مدرسة قرآنية بزايو اجتمع حولها الطلبة من القبائل المجاورة، إلا أن أهله لم يستطيعوا تحمل نفقات وسلوكات الطلبة الغرباء، الذين بدأوا يتكاثرون نظرا لذيوع صيت الفقيه.
ونظرا لتمسك العلامة بطلبته ورغبته في الاستمرار في أداء مهمة التدريس، انتقل بهم إلى مكان يدعى عين الخميس جوار قبيلة المذاكرة.
لكن نزاعا وقع بين قبيلته والمذاكرة جعله يتدخل لحل الخلاف بينهما بحكم موقعه الاعتباري كعالم شرعي. غير أن المذاكرة نقضوا العهد الذي التزموا به، فغضب من تصرفاتهم اللامسؤولة، وقرر الرحيل مرة أخرى صحبة طلبته إلى المكان المسمى بئر المجذام، بعين الضربان، على بعد حوالي أربع كيلومترات جنوب مدينة ابن أحمد الحالية، وذلك حوالي سنة 1817.
ومما سهل المقام به أنه لازم أحمد بن مسعود التاغي شيخ الزاوية الشرقاوية، إذ أخذ عنه العلوم الشرعية واتبع تعاليمه وأوراده الصوفية إلى أن صدر في حقه العفو السلطاني.
وعند عودته إلى أبي الجعد، رافقه إلى هناك، ثم بقي ملازما له حتى أذن له بالرجوع إلى قبيلته للتدريس. وكان ذلك حوالي سنة 1805.
ثم إنه أقام مدرسة قرآنية بزايو اجتمع حولها الطلبة من القبائل المجاورة، إلا أن أهله لم يستطيعوا تحمل نفقات وسلوكات الطلبة الغرباء، الذين بدأوا يتكاثرون نظرا لذيوع صيت الفقيه. ونظرا لتمسك العلامة بطلبته ورغبته في الاستمرار في أداء مهمة التدريس، انتقل بهم إلى مكان يدعى عين الخميس جوار قبيلة المذاكرة. لكن نزاعا وقع بين قبيلته والمذاكرة جعله يتدخل لحل الخلاف بينهما بحكم موقعه الاعتباري كعالم شرعي.
إلا أن المذاكرة نقضوا العهد الذي التزموا به، فغضب من تصرفاتهم اللامسؤولة، وقرر الرحيل مرة أخرى صحبة طلبته إلى المكان المسمى بئر المجذام، بعين الضربان، على بعد حوالي أربع كيلومترات جنوب مدينة ابن أحمد الحالية، وذلك حوالي سنة 1817. ومما سهل المقام بهذا المكان، الذي تغمر أراضيه المستنقعات وجود منابع مياه وافرة.