السبت, يناير 11, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيمعنى أن تكون مغربيا

معنى أن تكون مغربيا


الكاتب : د. مصطفى تاج

في عالم يتغير بسرعة، وتغلب عليه الفردانيات يوما بعد يوم، تبدو الحاجة ملحة لإعادة الاستثمار في الحس المشترك والانتماء المشترك والروح الجماعية. ذلك أن التجارب التاريخية السابقة أظهرت لنا بالملموس بأن الإنسان مهما فضل العزلة لن يستطيع العيش مفردا لفترة طويلة، تحت أرضية أن الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يحتاج إلى الشعور بالانتماء وإلى الإحساس بالدفء حواليه. ذلك أن الإنسان مهما كانت شخصيته قوية ومهما كانت قدراته رفيعة ومهاراته عالية، لا يعادل ذبابة إذا ما شعر أنه وحيدا.
ولأن الإنسان المغربي آلف الذوبان وسط الجماعة منذ عصور قديمة، فقد كون الأسرة والعائلة والفخذة والدوار والجماعة والقبيلة والدولة… اجتهادا منه في تنظيم شؤونه وشؤون من يشبهونه ومن يشتركون معه في عناصر الدم واللغة والانتماء الترابي… بل أكثر من ذلك، فتح أبواب جغرافيته للغرباء من التجار والنازحين واللاجئين والمبشرين والمستكشفين والمستعمرين كذلك. كل هذا شكل هوية الإنسان المغربي المتسامحة، المنفتحة والقابلة للتفاعل والتجدد والتغير.

لذا، فلكي تكون مغربيا، عليك أن تستشعر بأنك جزء من سيرورة وصيرورة تاريخ ضارب في القدم، من مزيج ثقافي ولغوي وديني وفني غني، يحمل قيم الأصالة والانفتاح في نفس الوقت، فأن تكون مغربيا لا يعني فقط الانتماء إلى بقعة جغرافية في شمال افريقيا والحصول على بطاقة تعريف وجواز سفر، بقدر ما هو الإحساس بالانتماء إلى تجربة حياتية مستمرة في الزمان والمكان، تجربة حياتية تعبر عن التنوع والتعدد في هوية واحدة، أصيلة ومعاصرة.

أن تكون مغربيا، يعني أن تحمل في داخلك هوية تاريخية مركبة، متعددة البنى والأسس، تعكس غنى تراثيا حضاريا عميقا، وثقافة متنوعة… هوية أمازيغية عربية موحدة بانصهار مكوناتها، الثرية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.
أن تكون مغربيا، يعني أنك تنتمي لبلد متميزا جغرافيا، يشكل جسرا بين إفريقيا، والعالم العربي، ودول المتوسط وأوروبا، حيث يمتزج القديم والحديث في تناغم فريد. وحيث استقر عزم المغاربة على تبويء الدين الإسلامي مكانة الصدارة، مع التشبث بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.

أن تكون مغربيا، يعني أن تفتخر بجذورك الأمازيغية التي تجاوزت كل محاولات الطمس والتذويب والمحو، وتحدت مختلف التحولات الثقافية واللغوية والقيمية. فأمازيغيتك تشكل العمق التاريخي واللغوي والثقافي لك وللمغرب الذي تنتمي إليه، وواجبك اتجاه أبناءك وحفدتك أن تربيهم وتدرسهم بأن الأمازيغ هم السكان الأصليون للمغرب، ولغتهم وتراثهم جزء لا يتجزأ من الهوية المغربية.
أن تكون مغربيا، يعني أن تحمل مشعل اللغة العربية، وتتعلم مفاتيحها وتكتسب ثقافتها، فهي وإن لم تدخل المغرب إلا عند الفتح الإسلامي وما تلاه، إلا أن أجدادنا المغاربة ارتضوها لغة أساسية لهم ولنا، فهي لغة الدين والثقافة وهي ما يشكل قاعدة حسنا المشترك مع بقية الدول العربية والإسلامية التي نفتخر بالتقاطع معها في الدين والعروبة والنضال من أجل تحرير الأراضي المغتصبة، وعلى رأسها فلسطين وهضبة الجولان السورية وجزء مهم من جنوب لبنان.

أن تكون مغربيا، يعني أن تتحلى بشيم أهل سوس ومراكش وفاس والأطلس والريف، رموز الكرم والتواضع والأخلاق الرفيعة، وأن تتوسم بميزات أهل الصحراء، رمز القوة والصمود والتكيف، وأن تتبنى سلوكات أهل السواحل الأطلسية والمتوسطية المنفتحة على التجارة والصناعة والتواصل الثقافي والإبداع العمراني والفني. أن تكون مغربيا، يعني أن تفتخر بجغرافيتك المتنوعة، الجبلية منها والساحلية والسهلية والصحراوية.

أن تكون مغربيا، يعني أن تفتخر بأنك جزء من حضارة تمتد لآلاف السنين، بدءا من الممالك الأمازيغية القديمة التي امتد حكمها شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، مرورا بالدول الإسلامية الكبرى (المرابطون، الموحدون، السعديون…) وصولا إلى العلويين الذين اختار أواخر ملوكهم وضع أيديهم في أيادي شعبهم لبناء الدولة الحديثة، التي قوامها الحق والقانون، والدخول إلى عالم الدسترة وبناء مسارات الديمقراطية الممكنة.
أن تكون مغربيا، يعني أن تتعرف على تاريخك في الفكر والفلسفة والعلوم والأدب والفن، وتدرس آثار العلماء والمفكرين المغاربة الذين بصموا على الفكر الإنساني بمداد من ذهب. أن تتعرف على استكشافات ابن بطوطة، والتفسيرات الشرعية للقاضي عياض، ومداخل التأسيس لعلم الاجتماع في مقدمة ابن خلدون، وفلسفة ابن رشد وشروحاته لأفكار أرسطو، والشخصانية الإسلامية لمحمد عزيز الحبابي، وتاريخانية عبد الله العروي، وتفكيكات محمد عابد الجابري لبنية وتكوين العقل العربي، ومنطق وقيم طه عبد الرحمان وتجديده للعقل الفلسفي الإسلامي، وانتقادات فاطمة المرنيسي ودفاعاتها عن قضايا المرأة، وأطروحة النقد المزدوج لعبد الكبير الخطيبي…
أن تكون مغربيا، يعني أن تفتخر بسلطان التحرير الملك محمد الخامس، الذي قاد ثورة الملك والشعب دفاعا عن استقلال المغرب وحوزته، فنال بذلك شرعية النضال الوطني. وأن تفتخر بمجهودات الملك الحسن الثاني في بناء المغرب الحديث وضمان بقائه على حدوده الحقة، عبر إبداعه للمسيرة الخضراء كأرقى شكل إنساني حضاري لتحرير الأرض المستعمرة، فنال بذلك شرعية الإبداع وتحرير الصحراء المغربية، وأن تعتز بمجهودات الملك محمد السادس قائد مسلسل التحديث والعصرنة، الذي شيد بنية تحتية عصرية وأسس لنموذج تنموي جديد قائم على الحماية الاجتماعية للمواطنين والكثير من المشاريع التنموية التي من المفروض أنها سترقى بوضعية المغاربة اقتصاديا واجتماعيا وسترسي أسس الدولة الاجتماعية التي ننشدها جميعا.
أن تكون مغربيا، يقتضي أن تتباهى وتفتخر بنضالات رجالات الوطن ممن ضحوا بحياتهم من أجل حرية البلاد والعباد في مراحل متعاقبة وأماكن متباينة، أن تفتخر بشجاعة عبد الكريم الخطابي، وبفكر ووطنية علال الفاسي والمختار السوسي ومحمد بلحسن الوزاني، وبصمود عسو أوبسلام، وبنضالية موحا أوحمو الزياني، ومقاومة الشيخ ماء العينين، ودفاعية الحاج الحبيب البوشواري، وبتضحية علال بن عبد الله، وبفدائية محمد الزرقطوني، وبجرأة المهدي بنبركة… ومنهم كثيرون ممن شكلوا رموزا للنضال من أجل الحرية وأسهموا في استعادة استقلال البلاد والعباد.
أن تكون مغربيا، يعني أن تفرح لقرب احتضان بلدك لأكبر تظاهرة كروية في العالم بعد سنوات قليلة، يعني أن تهتز أركانك كلما ارتفع علم المغرب عاليا في إحدى المنصات الرياضية العالمية. أن تمجد سعيد اعويطة ونوال المتوكل وهشام الكروج وسفيان البقالي، وأن تفتخر بعطاءات أحمد فرس ومحمد الهزاز وبادو الزاكي ومحمد التيمومي ونور الدين النيبت وصلاح الدين بصير ووليد الركراكي وأشرف حكيمي وبدر هاري ويونس العيناوي وهشام أرازي وكريم العلمي ورامي بوخيام وهشام الدكيك وحكيم زياش… ومثلهم كثير ممن مثلوا الدبلوماسية الرياضية الوطنية وشرفوا ولا زالو يشرفون المغرب في المحافل الرياضية الدولية.
أن تكون مغربيا، يعني أن تفتخر بتفردك الإبداعي وتنوعك الفني، وأن تعتز بأحواش وأمارك سوس وبموسيقى الملحون وبالموسيقى الأندلسية وبأنغام كناوة والدقة المراكشية والرودانية وموسيقى الراي والعيطة والموسيقى الشعبية وبرقصات وأهازيج سوس وهوارة والطقطوقة الجبلية وأحيدوس ورقصة الحمادة والكدرة الحسانية والركبة الجنوب شرقية والركادة الشرقية والهيت الأطلسي والتبوريدة واعبيدات الرمى… إلى غير ذلك من الفنون التي تعتبر جزءا لا يتجزأ من التراث الفني المغربي والتي تعكس عمق الروابط التي تربط المجتمعات المحلية بالمجتمع الوطني العام.
أن تكون مغربيا، يعني أيضا أن تتراوح جيئة وذهابا بين روايتي “دفنا الماضي” و”لم ندفن الماضي” لعبد الكريم غلاب، وأن تتألم لقراءة رواية “الخبز الحافي” لمحمد شكري، وتستلهم الدروس من التجربة والإصرار على الحياة من روايتي “الزنزانة 10″ لأحمد المرزوقي و”تلك العتمة الباهرة” للطاهر بن جلون، وتقدر استباقية عبد الكبير العلوي المدغري في كتاب “الحكومة الملتحية”، وتسافر مع عبد العزيز الراشدي عبر رواية “جراح المدن من درعة إلى شيكاغو”، أن تستمتع بالقصائد الشعرية لعبد اللطيف اللعبي ومحمد بنيس، وتحضر لقاءات بيت الشعر بالمغرب وتقدر مجهودات مراد القادري وقبله نجيب خداري وحسن نجمي وآخرون في تنشيط الساحة الثقافية المغربية.
أن تكون مغربيا هو أن تكون كل هذا وذاك، أن تكون الكل الممتلئ بالأجزاء، أن تكون الكل المركب الذي يفك العقد، أن تتصالح مع ذاتك بما أوصلك إليه السابقون، وأن تفكر في أن تترك أثرا جميلا في حياتك الخاصة والعامة… أن تكون مغربيا، يعني أن تحمل هم هذا الوطن، فتفكر إيجابا فيما أعطاك وفيما ستعطيه. أن تفكر جيدا فيما يمكنك به نفعه، أن تطور من نفسك وتجاهد من أجل فرض الوجود وإثبات الذات، أن تنخرط بحماس في الحياة العامة، أن تمارس حقوقك غير منقوصة، وكذلك واجباتك.
فتامغربيت عملة نادرة جدا بعيدا عن الذين لا يرون في الكأس إلا نصفها الفارغ. بعيدا عن أصحاب أطروحة “الأخير يطفي الضو”. أن تكون مغربيا يعني أن تكتب كتابا أو شعرا، أن تلحن أغنية أو تلعب كرة، أن تترك فكرا أو تتطوع يوما، أن تنتقد حبا أو تغير فسادا. أن تكون مغربيا يعني أن تتسجل في اللوائح الانتخابية العامة وتمارس حقك في التصويت والاختيار إيمانا واقتناعا، بتجرد ومنطق وعقلانية. مستحضرا المصلحة العامة للمغرب الذي يحبك، والذي لا شك أنك تحبه.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات