يوم قال المغاربة “طاحت الصمعة علقو الحجام” على سبيل السخرية من وضع قائم، كانوا يرددونها من صميم اقتناعهم بمبدأ الفصل بين الدين كسلوك فردي روحي وبين الحجامة التي تمثل نشاطا اقتصاديا خاضع لمتغيرات السوق.
آراء أخرى
المنساقون اليوم خلف نقاش العلمانية لحد الساعة يناقشونه بمقاربة آيديولوجية في العموم، وهذا يغيب علينا مجموعة من العناصر الضرورية للفهم. في تصوري على الأقل !
سؤال “العلمانية في المغرب ؟”، المغرب غير معني بالإجابة عنه في المرحلة الحالية، لسببين أساسيين:
الأول لأن النموذج العلماني بالنسبة للمغرب ليس خيارا بل ضرورة، إذا كان يريد الحفاظ على شراكته الاستراتيجية مع فرنسا.
ليس لأن الأمر يتعلق بتبعية ثقافية أو استيلاب هوياتي ولا امتداد حضاري، بل لأن المغرب يحاول أن يخلق لفرنسا النموذج البديل عن الإسلام التركي.
أكثر ما يزعج فرنسا اليوم هو نموذج العلمانية التركية لأنها علمانية استراح فيها الإسلام السياسي واستطاع أن يطور من آلياته وقواعده.
والأمر لا يقتصر على البعد الاقتصادي والسياسي فقط بل تجاوزه إلى البعد الديموغرافي، إلى حدود سنة 2018 تجاوز عدد الجالية التركية المقيمة بفرنسا 800 ألف نسمة.
هذا العدد مخيف جدا بالنسبة لفرنسا، بسبب أن نموذج التدين التركي الذي يتسرب مع أفواج الأتراك هو أكثر نموذج يرعب فرنسا، كونه استطاع أن يكتسب مهارات ومعارف وآليات التطور الحضاري مع حرصه على الموروث الديني بما فيه من حمولة الخلافة العثمانية وامتدادها.
لذلك المغرب اليوم وفي إطار تقديم الخدمات مدفوعة الأجر، يحاول أن يخلق النموذج البديل، إسلام أشعري صوفي متصالح مع الحداثة غير مهتم بالسياسة بعيد عن سرديات الخلافة الإسلامية .
والثاني، أن الشرعية التقليدانية أصبحت تشكل عبئا للنظام المغربي أكثر من كونها آلية من آليات السلطة.
طبعا لن يتنازل عنها بشكل مطلق لأنها تخدم امتداده في العمق الأفريقي، لكن نستطيع القول أنه يخفف من اعتمادها ويحصرها في الأنشطة والمناسبات ذات البعد الديني.
إذا استحضرنا الامتياز الديموغرافي للمغرب داخل فرنسا – أزيد من مليون ومائة ألف مغربي – يمكن أن نقول أن المغرب متفوق على الحضور التركي في فرنسا، لكن على المستوى المؤسساتي المشهد مختلف، إذ نجد هيمنة التواجد التركي على التواجد المغربي داخل المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، لدرجة دفعت الرئيس الفرنسي إلى حله السنة الماضية.
صحيح أن حل المجلس كان في الوقت الذي كان يرأسه المغرب في شخص محمد موسوي، لكن علينا استحضار أن الفترة كانت تمثل ذروة الخلاف المغربي الفرنسي حينها، ولهذا السياق اختار الرئيس حل المجلس عوض الاستراحة الى الاخيار التركي داخله. (ملي ما كتلقى علاش تحط يديك)
الاشتغال التركي على التوغل داخل البنية السياسية الفرنسية كان واضحا، لدرجة أن وزير الداخلية الفرنسي جيرارد دارمنان أعلن عنها صراحة حين قال: “تركيا بلد كبير، لكن يجب ألا تتدخل في شؤون فرنسا الداخلية، إنه أمر صادم أن تعتقد القوى الأجنبية أن المسلمين في فرنسا تابعون لها”.
هذا تصريح وزير داخلية لا وزير خارجية، يعني أن الأمر فعلا أصبح يشكل تهديدا تركيا للسلطة الفرنسية في الداخل!
طيب المغرب بعد ما استعاد العلاقة الجيدة مع فرنسا كان تحصيل حاصل أن يؤكد على استعداده لخلق البديل عن الخيار التركي في التأطير الديني داخل فرنسا، مع التأكيد أن المغرب دولة علمانية تحترم علمانية فرنسا كما جاء فيما معناه على لسان وزير الأوقاف التوفيق.
هذا الأمر ليس مستجدا في ذهنية النظام المغربي، بل هو مما أطنب عالم الإجتماع جاك بيرك في الحديث عنه قبل وفاته سنة 1995، في سياق تحليله لبنية الإسلام في المغرب وانعكاسه على المجتمع الفرنسي أمام رهانات السلطة.
في تصوري، ما صرح به التوفيق كان صادقا في سياق استعداد المغرب لتوفير علمانيةٍ على مذهب الإمام بونابارت لا على مذهب الإمام آتاتورك.