الإثنين, مارس 31, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيمطالب الانفصال في جنوب إفريقيا..ازدواجية المواقف وتحديات الاستقرار

مطالب الانفصال في جنوب إفريقيا..ازدواجية المواقف وتحديات الاستقرار


في السنوات الأخيرة، تصاعدت دعوات الانفصال في مقاطعة كيب الغربية بجنوب إفريقيا، مدفوعة بمزيج من العوامل الاقتصادية والسياسية والثقافية تعززت مؤخرا بحالة القطيعة مع الولايات المتحدة الأمريكية. 

في المقابل، لا تزال حكومة جنوب إفريقيا تتبنى مواقف داعمة لانفصال إقليم الصحراء عن المملكة المغربية، في تناقض صارخ بين مواقفها الداخلية والخارجية. فهل تدرك جوهانسبورغ المخاطر التي قد يجرّها عليها هذا المنطق الانفصالي؟

يبلغ عدد سكان مقاطعة كيب الغربية زهاء 7 ملايين نسمة يستقر ثلثاهم في العاصمة كيب تاون، وتعتبر المقاطعة واحدة من أغنى مقاطعات جنوب إفريقيا، حيث تسهم بأكثر من 15% من الناتج المحلي الإجمالي الوطني، كما أن معدل البطالة فيها أقل بكثير مقارنة ببقية البلاد التي يتجاوز فيها المعدل 18%. ذلك أن المقاطعة تمتلك اقتصادًا متنوعًا، يعتمد على السياحة، والزراعة، والصناعة، إلى جانب كونها مركزًا ماليًا مهمًا. كما أن مدينة كيب تاون، عاصمة المقاطعة، تعدّ ميناءً استراتيجيًا على واحد من أهم الطرق التجارية في العالم.

هذا التميز الاقتصادي دفع بعض الحركات السياسية، وعلى رأسها “كيب إندبندنت”، إلى الترويج لفكرة الاستقلال، بحجة أن كيب الغربية يمكن أن تزدهر بعيدًا عن سلطة الحكومة المركزية في بريتوريا. كما يستند أنصار الانفصال إلى الاختلافات الثقافية واللغوية، حيث يتحدث جزء كبير من السكان الأفريكانسية والإنجليزية، على عكس المناطق الأخرى التي تهيمن عليها لغات مثل الزولو والسوتو.

شهدت الانتخابات الأخيرة في جنوب إفريقيا، التي جرت في 29 أيار/مايو من السنة الماضية، تحولًا تاريخيًا، إذ خسر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي أغلبيته البرلمانية المطلقة لأول مرة منذ 1994. هذه الخسارة تعكس تراجع ثقة الناخبين في الحزب الذي قاد البلاد لثلاثة عقود، بسبب فشله في معالجة قضايا البطالة والجريمة والفساد، في ظل استمرار الفوارق الاقتصادية وهيمنة الأقلية البيضاء على مفاصل الاقتصاد.

في هذا السياق، يمكن اعتبار الدعوات إلى استقلال كيب الغربية ليست مجرد نزعة انفصالية عابرة، بل نتيجة مباشرة لفشل الحكومات المتعاقبة في تحقيق التنمية المتوازنة. لكن المفارقة تكمن في أن الحزب نفسه الذي يواجه خطر الانقسام الداخلي، يواصل دعم الحركات الانفصالية خارج حدوده، كما هو الحال في موقفه من قضية الصحراء المغربية.

الزعيم نيلسون مانديلا اعترف علانية بالدعم الكبير الذي قدمه المغرب للمؤتمر الوطني الأفريقي في سنوات النضال ضد نظام الفصل العنصري. إلا أن جنوب إفريقيا منذ سنوات وهي تتبنى موقفًا عدائيًا تجاه الوحدة الترابية للمملكة المغربية. لكن السؤال المطروح هو: إذا كانت حكومة جنوب إفريقيا ترى في دعم الانفصال بالصحراء خيارًا سياسيًا مشروعًا، وتؤمن بشعار تقرير المصير، فلماذا ترفض تطبيق المنطق نفسه على مقاطعة كيب الغربية؟ هذا التناقض يهدد بفتح الباب أمام حركات انفصالية أخرى في البلاد، خصوصًا في ظل تصاعد الانقسامات العرقية والسياسية.

من الناحية القانونية، لا يوجد في دستور جنوب إفريقيا أي بند يسمح بانفصال إحدى مقاطعاتها. لذا، فإن أي محاولة من هذا النوع ستواجه رفضًا قويًا من الحكومة المركزية، التي تملك الأدوات الدستورية والعسكرية للحفاظ على وحدة البلاد، ما يعني أن كيب الغربية لن تحصل بسهولة على الاعتراف الدولي في حال قررت الانفصال.  فانفصالها سيؤدي حتما إلى اضطرابات داخلية، بسبب وجود أرضية خصبة من الانقسامات العرقية والاقتصادية العميقة في البلاد. ومن شأن استمرار تأزم الوضع السياسي الداخلي في جنوب إفريقيا وانحدار شعبية حزب المؤتمر الوطني الأفريقي، وتعاظم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية في ظل إنتشار واسع لحالات الفساد، أن يدفع البلاد إلى مواجهة سيناريوهات عدم استقرار خطيرة، شبيهة بتلك التي شهدتها بعض الدول الإفريقية الأخرى. من هنا، فإن قادة جنوب أفريقيا بحاجة لفهم أن الحل لا يكمن في دعم الانفصال خارج البلاد ومحاربته داخلها، بل في بناء نموذج حكم أكثر عدالة، يحقق تنمية شاملة ويوفر فرصًا اقتصادية متساوية لجميع المواطنين، نموذج ينهي فعليا نظام الميز العنصري… 

بدلًا من الترويج لانفصال الصحراء عن المغرب، على جنوب إفريقيا أن تركز على حل مشكلاتها الداخلية، لأن دعم الانفصال في الخارج قد يتحول إلى سلاح ذو حدين، قد يرتد عليها في النهاية. فكما أن استقرار المغرب ووحدته يصبان في مصلحة القارة الإفريقية ككل، فإن الحفاظ على وحدة جنوب إفريقيا هو الضامن الوحيد لمستقبلها السياسي والاقتصادي.

 



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات