قال المدير الإقليمي لوزارة التربية الوطنية بسيدي إفني، رشيد بشارة، إن “مدارس الريادة” هي جزء من برنامج أوسع ضمن “خارطة الطريق 2022-2026” الذي أطلقته وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة. ويهدف المشروع إلى إحداث نقلة نوعية في التعليم العمومي عبر توفير بيئة تعليمية محفزة ومجهزة بأحدث التقنيات والمناهج التربوية الحديثة، التي تركز على تطوير مهارات التلاميذ في المواد الأساسية. وأكد بشارة أن المشروع حقق نتائج إيجابية، خاصة في إقليم سيدي إفني، حيث احتلت النتائج المرتبة الأولى وطنياً من حيث زيادة التحكم في التعلمات الأساسية.
فيما يتعلق بالمخاوف التي عبّر عنها بعض أولياء الأمور حول دمج التلاميذ من مستويات مختلفة، أكد بشارة في حوار مع جريدة “العمق” أن مدارس الريادة تعتمد على استراتيجيتين بيداغوجيتين متميزتين. الأولى هي المقاربة العلاجية التي تهدف إلى معالجة التعثرات العميقة والمتراكمة عبر السنوات الدراسية من خلال تدريس وفق المستوى المناسب، حيث يتم تجميع التلاميذ في مجموعات حسب مستوى تحصيلهم. والثانية هي المقاربة الوقائية التي تضمن ترسيخ تعلمات متينة ومستدامة عبر التصريح بالأهداف التعلمية بشكل واضح ونمذجة من قبل الأساتذة.
كما أكد بشارة على أن هذا المشروع يهدف إلى تحقيق تعليم مخصص لكل تلميذ، وتوفير دعم تربوي للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم. وبالنسبة لإقليم سيدي إفني، الذي يعاني من تحديات كبيرة في المؤسسات التعليمية القروية، أشار إلى أن تعميم المشروع سيحسن من البيئة التعليمية من خلال توفير بنية تحتية حديثة تشمل الإنترنت عالي السرعة والمختبرات العلمية، بالإضافة إلى تعزيز شراكات مع المجالس المنتخبة والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية.
وفيما يلي نص الحوار كاملاً:
نبدأ معكم من القرار الأخير الذي توصلتم إليه بعد اجتماع مع أطر التدريس وهيئة التفتيش وجميع المتدخلين. هل فعلا نحتاج إلى تعميم مدارس الريادة؟
أولاً، أشكركم على الاستضافة. كما يعلم الجميع، ففي خضمّ المساعي الحثيثة لتطوير التعليم والارتقاء بمخرجاته في بلدنا، أطلقت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة برنامج المدرسة الرائدة كإحدى الركائز الأساسية في “خارطة الطريق 2022-2026”. هدف المشروع هو إحداث نقلة نوعية ونقطة انعطاف في التعليم العمومي من خلال توفير بيئة تعليمية محفزة ومجهزة بأحدث التقنيات، واعتماد مناهج تربوية حديثة تركز على تطوير مهارات المتمدرسين وإكسابهم القدرات اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لخارطة الطريق، خاصة الرفع من نسب التحكم في التعلمات الأساسية.
ولعل النتائج الإيجابية التي أظهرتها مختلف التقييمات في هذا الباب تؤكد تحسن أداء التلاميذ في المواد الأساسية (العربية، الرياضيات، والفرنسية)، مما يعكس نجاح التجربة في تعزيز نجاعة التعليم. كما أن تقرير مرصد التنمية البشرية أكد أن هذا المشروع أسهم في تحول إيجابي داخل المؤسسات التعليمية. وفي نفس السياق، فقد احتلت النتائج التي حققها تلامذة سيدي إفني المرتبة الأولى وطنياً من حيث نسبة الزيادة المسجلة في التحكم في التعلمات الأساسية بين الرائز القبلي والرائز البعدي. وذلك بفضل جهود السيدات والسادة الأستاذات والأساتذة، ومواكبة السيدات والسادة المفتشات والمفتشين، إضافة إلى الأدوار الهامة التي تقوم بها هيئة الإدارة التربوية وكافة المتدخلين محلياً وإقليمياً.
هناك تخوفات لدى أولياء الأمور حول دمج التلاميذ مع مستويات أخرى، ما حقيقة ذلك؟
أتفهم تمامًا قلق الآباء، فأنا أيضًا أب لتلميذ وأشاركهم نفس الاهتمام. ومع ذلك، يجب الإشارة إلى أن استراتيجيات التدريس المعتمدة في مدارس الريادة تختلف بشكل جذري عن تلك المطبقة في باقي المؤسسات التعليمية.
تعتمد هذه المدارس من الناحية البيداغوجية على مدخلين أساسيين:
-
المقاربة العلاجية: وتهدف إلى معالجة التعثرات العميقة والمتراكمة عبر السنوات الدراسية، وذلك من خلال آلية “التدريس وفق المستوى المناسب” (TaRL). تعتمد هذه المنهجية على تشخيص مستوى كل تلميذ في المواد الأساسية، مثل اللغة العربية، اللغة الفرنسية، والرياضيات، ثم يتم تجميع التلاميذ في مجموعات صغيرة وفقًا لمستوى تحصيلهم. يضمن هذا النظام لكل تلميذ تعليماً يتناسب مع قدراته، مما يساعد على معالجة الفوارق بين التلاميذ داخل الفصل الدراسي. ونتيجة لذلك، يحصل كل تلميذ على تعليم ملائم لمستوى فهمه، مما يعزز من جودة تعلمه ويُحسن مستواه الدراسي.
-
المقاربة الوقائية: وتتمثل في اعتماد التدريس الصريح من أجل ترسيخ تعلمات متينة تضمن استدامة التحصيل الدراسي، وتمنع تراكم التعثرات مستقبلاً. هذه المقاربة الفعالة تقوم على بناء الأنشطة الصفية داخل الفصل الدراسي، حيث يتم التصريح بالأهداف التعلمية بشكل واضح، مما يساعد التلميذ على معرفة ما سيتعلمه مسبقًا. كما يستفيد من “النمذجة” (Modelage) التي يقدمها الأستاذ، والتي تتيح للمتعلم متابعة خطوات المدرس المعلنة وفق منهجية دقيقة تعزز من قدراته على التفكير والتحليل.
بهذه الاستراتيجيات، تضمن مدارس الريادة تعليماً أكثر تكيفًا مع احتياجات كل تلميذ، مما يساهم في تحسين تحصيله الدراسي وضمان استدامة تعلمه.
هل يمكن القول أن هذا المشروع جاء خصيصاً ليحصل كل تلميذ على التعليم الذي يناسبه؟
جواب: بالتأكيد، التلميذ هو محور أساسي في مشروع “المدرسة الرائدة”. يركز المشروع على تمكين كل تلميذ من تحقيق إمكاناته القصوى عبر تلبية احتياجاته التعليمية الفردية. هذا يتضمن توفير تعليم مخصص يتماشى مع مستوى كل تلميذ، بالإضافة إلى برامج دعم تربوي للتلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم. كما يتم التركيز على تنمية المهارات الشخصية والاجتماعية للتلاميذ، مثل التفكير النقدي والعمل الجماعي ومهارات التواصل. لا يقتصر الاهتمام على المواد الأكاديمية فقط، بل يشمل أيضًا تشجيع المشاركة في الأنشطة الموازية التي تساعد في تطوير مهارات التلاميذ المتنوعة مثل الرياضة والفنون.
هناك من يرى أن هذا المشروع يغرق الأساتذة في مهام إضافية، كيف تفسرون ذلك؟
جواب: من المهم أن نؤكد أن الأساتذة هم الركيزة الأساسية لنجاح هذا المشروع. ولذلك، يُعطى أهمية كبيرة لتطوير مهارات الأساتذة من خلال برامج تدريبية مستمرة في استخدام استراتيجيات التدريس الحديثة، مثل التدريس التفاعلي وتقنيات التعليم الرقمي. كما يتم توفير الوسائل التعليمية الحديثة التي تتيح للأساتذة تطبيق المناهج بشكل فعال. ومع هذه التغييرات، يتم تشجيع الأساتذة على التحول من دورهم التقليدي كملقنين للمعلومات إلى دور أكثر فاعلية كموجهين للمتعلمين، مما يجعل عملية التدريس أكثر تفاعلًا وابتكارا.
بالنسبة لإقليم سيدي إفني، الذي يشهد العديد من المؤسسات التعليمية في العالم القروي، هل تعتقدون أن تعميم هذا المشروع سيشكل إضافة حقيقية للمؤسسات التي تعاني من هشاشة العرض التربوي؟
مشروع مدارس الريادة لا يقتصر على توفير تعليم متميز فحسب، بل يهدف إلى تحسين البيئة التعليمية بشكل شامل. في إقليم سيدي إفني، الذي يحتوي على عدد كبير من المؤسسات التعليمية في العالم القروي، نعتبر أن تعميم هذا المشروع سيعزز من تطوير هذه المؤسسات. لقد عملنا على توفير بنية تحتية تعليمية حديثة، بما في ذلك تجهيزات للتعليم الرقمي، مثل الإنترنت عالي السرعة والحواسيب المحمولة، بالإضافة إلى المختبرات العلمية والمكتبات المدرسية وأركان القراءة المزودة بمصادر تعليمية متنوعة. كما نركز على شراكات مع المجالس المنتخبة، مثل شراكة النقل المدرسي مع المجلس الإقليمي، لتسهيل وصول التلاميذ إلى المدارس، إضافة إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كل هذا سيساهم في تحسين جودة التعليم في العالم القروي ويمنح التلاميذ الفرصة لتحقيق إمكاناتهم.
بصفتكم أستاذا سابقا، بعد توليكم عدة مناصب، بما فيها تسيير أكاديمية كلميم واد نون، هل تتفاءلون بمشروع الريادة؟
بالتأكيد، التجارب الأولية أثبتت أن المشروع حقق نتائج إيجابية، وخاصة في تحسين مستوى تحصيل التلاميذ في المواد الأساسية. على مستوى إقليم سيدي إفني، حقق التلاميذ في مدارس الريادة نتائج أفضل من 82% من التلاميذ في المدارس غير المنخرطة في هذا المشروع، حيث تحسن أداؤهم في اللغة العربية بنسبة 11%، وفي الرياضيات بنسبة 19%، وفي الفرنسية بنسبة 23%.
هذه النتائج تبرز أن المشروع يسير في الاتجاه الصحيح، وأعتبرها مكسبًا تربويًا يستحق التحفيز والتطوير. ورغم التحديات التي يواجهها المشروع، مثل ضرورة توسيع تطبيقه على باقي المؤسسات التعليمية، فإنني متفائل بالنتائج المستقبلية إذا تم تعزيز هذا المشروع وتكثيف الجهود لضمان استمراريته ونجاحه.
مشروع “مدارس الريادة” يمثل خطوة هامة نحو إصلاح وتحسين التعليم في المغرب، خاصة في المناطق التي تعاني من صعوبات في عرض خدمات التعليم. ورغم التحديات التي قد تواجه المشروع، فإنه يمثل رهانا تربويا كبيرا يستحق المزيد من الاهتمام والتطوير لضمان نجاحه في تحقيق أهدافه الطموحة.