الأربعاء, أبريل 2, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيمراكش صباح العيد..حتى خلت منّ شوارعها الزوار ..وحدهم تّوريستْ ميخسي!

مراكش صباح العيد..حتى خلت منّ شوارعها الزوار ..وحدهم تّوريستْ ميخسي!


عقارب الساعة تشير إلى التاسعة والنصف، بدأنا جولتنا الصّباحية في بعض أهمّ شرايين الحياة الاقتصادية في مراكش “صباحَ العيد” من سُوق العْطرية في قلب حيّ الملاح العتيق.

جلّ المحلات مقفلة والحركة شبه منعدمة إلا في بعض النقط المعزولة هنا وهناك، حيث صادفنا بعض هذه المحلات مفتوحة في وجه زبائنَ قد يأتون وقد لا يأتون.

ثمّ عرّجنا على باب الملاح وساحة القزادرية، فرياض الزيتون، وصولا إلى ساحة “جامع الفنا”..

أثار انتباهَنا خلال هذه الجولة الصّباحية أن “زرق العينينْ” حاضرون في الدّروب والأزقة والشوارع أكثر من “ولاد البلاد”. 

لكنْ سمعنا، في مكانين مختلفين جملة ربّما تُلخّص “نوع” الحضور السياحي في عاصمة السياحة في البلد صباحَ عيد الفطر. “التّوريستْ ديال ميخسي، بُون جُوغْني”.. 

قالها شخصان على الأقلّ ممّن فتحوا محلاتهم أو ممّن يلفّون لفّهم من “مُرشدين” سياحيين “مُتطوّعين” لكنْ وفق خطّة مسبقة يحترم فيها كلّ الفاعلين “التزامه” غير المعهود في هذه الدورة التجارية التي يقوم عصبها على “التّوريست”.

مراكش -عبد الرزاق بوتمزار le12.ma

حين تتاح لك فرصة السير في شوارع إحدى مدن المغرب الكبرى في يوم مناسبة دينية من حجم وقيمة “العيد” في الوجدان الشعبي، تسترعي انتباهَك بعضُ التفاصيل التي ربما لن تنتبه إليها في الأيام العادية..

يساعد في ذلك لا محالة هذا “التواطؤ” الجماعي التلقائي على الإغلاق. تتسلطن العمارة إذن وتبدو لك معالمها بوضوح وحضور استثنائيين يصعب رصد دقائقهما في الأيام العادية.

المْلّاح والقزادرية.. كلّشي سادّ

سويقة العطرية في الحيّ اليهودي هادئة تماما وخالية. لا وجود للدرّاجات النارية التي تمرق في العادة في الاتجاهين، مراوغة المارة الذين يجوبون المكان بأعداد كبيرة. 

لا وجود للعربات المجرورة (باليد أو الدواب) التي تُشكّل (إلى جانب الدرّاجات) وسيلة النقل الوحيدة التي يتوصل بها عطّارو السويقة ببضائعهم من الباعة بالجملة.. ولا وجود للمتسوقين المُفترَضين ولا لسكّان الحيّ. 

إنه صباح يوم عيد الفطر، والجميع ما زالوا في منازلهم للإفطار أو في زيارات عائلية لعيادة بعضهم بعض.

مباني المْلاح، التي كانت قد خضعت لترميمات وإصلاحات في وقت سابق، في إطار برنامج “مراكش.. الحاضرة المُتجدّدة” تبدو في ظل هذا الإغلاق شبه العام فخمة ومَهيبة رغم ما خفيَ من نكبات العمران في هذا الحيّ، الذي يبقى واحدا من أكثر الأحياء العتيقة في مراكش تضرّرا من الزلزال الذي ضرب المدينة والمنطقة قبل عامين.

بعض “العطّارة” شرعوا يفتحون محلاتهم طلبا لأرزاقهم، التي يطلبونها في الغالب من خلال البيع مع “النصارى” الذين قد يقصدون المحلّ تلقائيا أو باقتراح من أحد المرشدين “التجاريين” الذين ينشطون في المنطقة ضمن سلسلة تفاهمات غير مكتوبة لكنْ واضحة بين الأطراف الفاعلة في العملية التجارية. 

لكنْ يبدو أن “الحركة ناعسة” هذا الصباح أو على الأقل لا زالت كذلك حتى الآن، وفق ما سمعنا غير مرة خلال جولتنا هذه

في الساحة المجاورة “باب الملاح” القزادرية”..الوضع نفسُه.

بازارات الصناعة التقليدية كلها مغلقة ما عدا التي صارت منها “مطاعم” مفتوحة دوما في وجه الزبائن. 

ففي ظلّ التغيّرات التي تشهدها بعض حرَف ومهن الصناعة التقليدية، فضّل بعض أصحاب هذه الأروقة “تبديل الحرفة”، ما يُؤشّر على أن قطاع خدمات المطعمة في المكان صارت مطلوبة أكثر من “الصّنعة”، كما يقول الصّنايعية بحسرة وألم على ما آل إليه القطاع.

 رياض الزيتون.. الهدوء الذي يسبق… الزّْحام

لو لم نعاين ذلك بأنفسنا ونحن نلج أول “قوس” في هذا الحيّ الشّهير نزولا نحو ساحة “جامع الفنا” ما كنا صدّقنا ربما أنّ “رياض الزّيتون القديمْ” شبه خال من الحركة إلا ما كان من “توريست” سائرين في أحد الاتجاهين، مستمتعين بأشعة الشّمس، مالئين المكان بأصوات حواراتهم الصاخبة وضحكاتهم التي تكسر هدوء هذا الدرب – الحيّ، الذي يعدّ واحدا من “شرايين” الحركة التجارية في “المْدينة” وإن كان واقع الحال خلال سيرنا فيه لا يؤشّر علىذلك.

رياض الزّيتون، الذي لا تكاد تجد فيه موطئا لقدميك في الأيام العادية،  يبدو كما لو أنه حيّ آخر.. 

فلا بازارات مشغولات الصناعات التقليدية ولا الأروقة الفنية التي تعرض لوحاتها وصورَها الصارخة بالألوان والوجوه مفتوحة، ولا الدراجات النارية التي تقطع المكان جيئة وذهابا حاضرة في الدرب الطويل الذي تتفرّع عنه دروب وأزقة لا تُحصى مُشكّلة هذا الحيّ الأسطوري الذي يحمل اسم “رياض” والذي يضمّ أحياء قائمة الذات وحُومات عريقة.

فقط المطاعم والأوطيلات وبعض المحلبات بدأت تفتح أبوابها وعمّالها منهمكون في ترتيب طاولاتهم وكراسيهم ومُعدّات عملهم في هذا اليوم غير العادي في جدول عملهم. مجموعات من السياح متوقفة هنا وهناك، تتبضّع أو تساوم على سلَع وبضائع بدأت بالكاد تأخذ أمكنتها في واجهات العرض في انتظار الطلب.. 

فجأة، يعبر بجوارنا شاب حاملا كرتونة صفّف في داخلها علب سجائر وهو يُردّد “سيغاريتْ، سيغاريتْ”.. 

هو بائع سجائر بالتقسيط لكنْ يبدو أنّ خطابه مُوجَّه لزبائن من “التّوريستْ”، بخلاف ما هو معمول به في الغالب، إذ يبيع هؤلاء بضاعتهم القاتلة في العادة للمواطنين المغاربة وليس لـ”النصارى”.. مَن يدري، ربّما صار “تُوريستْ ميخسي، بُون جُوغْني” يشترون أيضا سجائرَ بالتقسيط!..

وعلى بعض جنبات رياض الزّيتون تحديدا، سيسترعي انتباهَنا لأول مرة في جولتنا حضور بعض المتسوّلين، بعدما قد لوحظ مؤخرا تراجع جليّ في أعداد ممتهني التسوّل في معظم المحاور الرئيسية في العاصمة السياحية للمملكة. 

وتروج أنباء بهذا الشأن تفيد بأن السلطات المعنية “نفتْ” هؤلاء المتسولين والمشرّدين إلى مُدن مُجاورة، في إطار ربّما الجهود الرامية إلى “تنقية” مراكش من بعض الظواهر والمظاهر المسيئة لفضاءاتنا المشتركة، وعلى رأسها ظاهرتا التسوّل والتشرّد.

جامْع الفنا.. الساحة خالْية والشّمس تُطنطن

بعد رياض الزّيتون، وجدنا أنفسنا في مدخل إحدى أشهر ساحات العالم وأكثرها استقطابا لـ”الجماهير” في العالم. 

لكنْ، خلافا لما يكون عليه الوضع في أوقات متأخرة من النهار، لا تزال الساحة خالية تقريبا من كلّ ذلك “الهرج والمرج” الذي يطبع وتيرة السير الاعتيادي للحياة في شراييها.

حتى عربات بائعي العصاير المصطفّة في انتظام على أطراف الساحة مُقفلة على سوائلها وقاروراتها، فقط أحدهم هنا أو هناك ارتأى أن يفتح واجهة عربته ويشرع في إعداد بعض الكؤوس المنعشة التي تروي ظمأ رواد الساحة على قلتهم في هذا التوقيت من صباح يوم العيد.

صنّاع الفرجة غائبون كلّيا عن هذا المسرح -المطعم المفتوح في الهواء الطلق. 

فقط مُروّض قرَدة هنا أو هناك يستحثّ حيوانه المسكين على إتيان حركاته المألوفة أمام صبيان هذه العائلة أو تلك استدرارا لبعض الدراهم التي قد تجود بها يد هنا أو هناك..

مقهى “الكلاسيي” (الساتيام) مليئة حتى آخرها بزبائن جلّهم من السياح الذين يرتادون هذا الفضاء بأعداد وفيرة منذ ساعات الصباح الأولى في كلّ أيام الله. 

وفي العموم، ما كاينْ غير الشّمس “تُطنطن” في طرف السماء موذنة بيوم مُشمس آخر في مدينة الشّمس والروائح والحكايا..

في مداخل “باب فتوح” و”السمّارين” و”طلع وهْبط” و”درب ضاباشي” وغيرها من المحاور التجارية الحيوية في محيط الساحة العتيقة، الحركة المُخفّفة رغم “كروبّاتْ” السّياح التي تعبر في هذا الاتجاه أو ذاك، تشي بأنّ حركة البيع لا تزال “ناعْسة”.

وفي الطرف الآخر للساحة، قبالة نادي البحر الأبيض المتوسط (“كلوب ميديتيغانيي”) و”عرصة البيلك” التاريخية، يمتدّ صفّ طويل من العربات المجرورة بالخيول (الكوتشي) في انتظار بداية دوران “الناعورة”.. 

سياح المدينة يقصدون المكان لحجز أماكنهم على إحدى هذه العربات لتأخذهم في جولات بمسارات اختيارية بين شوارع المدينة التاريخية وحوماتها العتيقة أو العصرية، بحسب الرغبة.

وفي ساحة الكتبيين لن يصعب على الملاحظ أن يرى الحضور الكاسح لـ”زرقْ العينينْ” على حساب “مّالين البْلاد”، الذين ارتادتِ المكانَ منهم أعداد وفيرة ساعتين قبل الآن لتأدية صلاة العيد في أشهر معلمة تاريخة في المدينة، وربما في البلد.

وبغضّ النظر عن “المْعنى”، واش كاينة أو ما كايناشّ، بلغة “أولادْ السّوقْ” هنا، فـ”النصارى مُوجُودينْ” في كلّ مكان..

وعند مدخل ممرّ الأمراء (البّرانسْ) الأجواء توحي بأنّ “أصحاب الحالْ” غير موجودين في المكان، أيْ أنه لن تكون هناك مظاهر لعبة “الكرّ والفرّ” المعتادة بين عناصر القوات العمومية وعموم البائعين الجائلين (الفرّاشة).

ومعلوم أن الدّولة مؤخرا تواصل بذل جهودها وحشد إمكاناتها البشرية واللوجستيكية لمحاربة هذه الظاهرة المتفشية، في ظل أسئلة وتساؤلات عن “البديل” المقترح في هذا الإطار من جانب السلطات المعنية لاستيعاب الأعداد المتزايدة من ممارسي هذه “التجارة”.

وكانت “لقطة” الختام في هذه الرحلة الصباحية  لجريدة le12.ma، في محيط ساحة الكتبيين صورة تلقائية رائعة تُجسّد هذا الحبّ الاستثنائيَ الذي يحظى به المغرب في قلوب شعوب العالم وقبائله، التي تقصد أعداد وافرة منهم مدن المغرب للاستمتاع بجماله وسحره وألوانه… 

فبلون أحمرَ “مُوحّد” استرعت انتباهنا، ونحن نستعدّ لإنهاء جولتنا هذه، مجموعة سياح أنيقين اختاروا أن يتزيّوا جميعا بالطربوش المغربي الأحمر الشّهير وهم يقومون بجولة أمام المعلمة التاريخية الشّاهدة على قيَم التلاقح والتلاقي والتعايش بين الأجناس والثقافات والأديان، التي تعدّ بلادنا السعيدة واحدة من أمهادها التليدة.



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات