يرى أستاذ القانون الدولي، جوليان فرنانديز، أن قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف دولية ضد بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت ستكون له عواقب وخيمة على إسرائيل من النواحي الدبلوماسية والسياسية، وكذلك الاقتصادية والعسكرية.
في حوار له مع موقع “ميديا بارت” الفرنسي، عد جوليان فرنانديز قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية نقطة تحول كبرى. وقال: “رسميًا، بالنسبة للمحكمة الجنائية الدولية، يعتبر بنيامين نتنياهو الآن مشتبهًا به فارًا من العدالة”.
ويعني ذلك أن الدول الـ 123 الأطراف في المحكمة، والتي ستصبح 124 اعتبارًا من يناير مع انضمام أوكرانيا، ملزمة عند طلب المحكمة باعتقال نتنياهو وتسليمه إذا زار أراضيها.
ومع ذلك، أوضح أستاذ القانون الدولي أن مذكرة التوقيف ضد نتنياهو لن تكون لها نتائج فورية على أرض الواقع، حيث من غير المرجح أن يتم اعتقاله، مشيرًا إلى أن أحدًا لن يذهب لاعتقاله في القدس أو تل أبيب بسبب المقاومة الشديدة المتوقعة.
وشدد فرنانديز على أن القرار ليس خاليًا من العواقب، مؤكدًا أنه يمثل ضربة كبيرة للدبلوماسية الإسرائيلية وسيؤثر بشدة على اللقاءات والزيارات التي يخطط لها نتنياهو. وأوضح أن دولًا مثل فرنسا ستواجه حرجًا في استقباله، خشية التعرض للنقد الدولي لعدم تعاونها مع المحكمة الجنائية الدولية إذا لم تسلمه في حال زيارته أراضيها.
وأكد فرنانديز أن التأثيرات لن تقتصر على الجوانب الدبلوماسية فقط، بل قد تمتد إلى الأبعاد الاقتصادية والعسكرية. وبيّن أن “القرار قد يفتح المجال لدعاوى قانونية محلية ضد الدول التي تستمر في بيع الأسلحة لإسرائيل، رغم أن قادتها ملاحقون بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.” وأشار إلى أن هذا الإجراء قد يدعم الجهود الدولية التي تهدف إلى عرقلة مبيعات الأسلحة لإسرائيل في ظل الوضع القانوني الحالي لقادتها.
ويُعد جوليان فرنانديز من بين الخبراء الذين يشاركون في اللجنة الاستشارية لفحص الترشيحات لمنصب قاضٍ في المحكمة الجنائية الدولية. وأوضح أن الإجراءات التي اتبعتها المحكمة الجنائية الدولية في إصدار مذكرات التوقيف الأخيرة كانت استثنائية وغير مسبوقة، ما يفسر المدة الطويلة التي استغرقتها العملية.
وأشار إلى أنه “لأول مرة، كشف المدعي العام كريم خان علنًا أنه قدم طلبات مذكرات التوقيف، واستعان بخبراء خارجيين للحصول على مشورتهم.” وأضاف أن هذا القرار تطلب من الدائرة التمهيدية عدة أشهر للنظر فيه، على عكس الإطار الزمني المعتاد الذي يتراوح بين ثلاثة وستة أسابيع.
كما لفت فرنانديز إلى أن تدخل أطراف ثالثة ساهم في تعقيد العملية. وأوضح أنه “لأول مرة، قدم أكاديميون ودول، بما في ذلك إسرائيل، ملاحظاتهم إلى الدائرة التمهيدية.” وأضاف أن تشكيل الدائرة تغير مرتين أثناء الإجراءات، الأولى بسبب تضارب المصالح، والثانية نتيجة استبدال قاضٍ لدواعٍ صحية، مما ساهم في إطالة أمد المداولات وإصدار القرار.
ويرى أستاذ القانون الدولي أن هذا القرار سيضع المحكمة الجنائية الدولية والقائمين عليها تحت ضغوط غير مسبوقة. ويؤكد أن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، المعروف بموقفه العدائي تجاه المحكمة، إلى الساحة السياسية ستزيد من حدة هذه الضغوط، خاصة في ظل استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية المدمرة في غزة.
وبحسب فرنانديز، فإن التدابير الانتقامية قد تشمل حظر التأشيرات على المسؤولين المرتبطين بالقضية، أو فرض عقوبات مالية عليهم، أو حتى رفع دعاوى قضائية ضدهم داخل الدول المعادية. وأوضح أن هذه التحديات قد تؤدي إلى تقييد تحركات العاملين بالمحكمة، مما يضعهم أمام ظروف معقدة قد تؤثر على عملهم بشكل مباشر.
يعتقد الخبير أن هذا القرار يمثل نقطة تحول في الجهود المبذولة لتحقيق العدالة، خاصة في ظل التصعيد والانتهاكات المستمرة في غزة. ويصف القرار بأنه خطوة غير مسبوقة، حيث إنه للمرة الأولى تستهدف المحكمة الجنائية الدولية قادة دول قوية أو تُعتبر ديمقراطية، وذلك عن جرائم تُرتكب في الوقت الحالي وليس بأثر رجعي.
ويضيف فرنانديز أن هذه الخطوة تُظهر التزام المحكمة بمبدأ عدم وجود استثناءات أو حصانات لأي دولة أو زعيم، مهما كان نفوذهم السياسي أو مكانتهم الدولية. ويرى أن هذا النهج يعيد تأكيد أهمية القانون الدولي ودوره في محاسبة مرتكبي الجرائم، مما قد يشكل رادعًا للانتهاكات المستمرة، رغم التحديات التي تواجه المحكمة في تنفيذ قراراتها.