إلى جانب ترحيبها بعدد من المقتضيات التي تضمنتها مراجعة مدونة الأسرة، أبدت حركة التوحيد والإصلاح تحفظا على عدد من المقترحات، خاصة في يتعلق بتقييد تعدد الزوجات والولاية على الأطفال والحضانة بعد الطلاق وغيرها.
وقدمت الحركة، مذكّرة تفصيلية حول مراجعة مدوّنة الأسرة، اطلعت عليها جريدة “مدار21″، وتضمنت المقترحات الإيجابية، وتلك المتحفظ بشأنها.
مقترحات تتحفّظ عليها الحركة
وسجلت حركة التوحيد والإصلاح تحفظاتها على بعض المقترحات، داعية إلى تعميق النظر في مآلاتها الاجتماعية، وتؤكد على ضرورة استدراكها أثناء الصياغة القانونية لمشروع القانون الجديد. ومنها قضية تعدد الزوجات، إذ أكدت أنه يتعين التقيد بما عبر عنه المجلس العلمي الأعلى بدل التصرف في مقام ولي الأمر دون تفويض منه، مذكرة أن “الشرع الحنيف قد أباح التعدد لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى، ولاعتبارات اجتماعية وصحية ونفسية.. وأن إثقاله بكثرة الشروط والقيود يجعله عمليا في حكم الممنوع الذي قد يفضي لتحريم ما أحل الله”.
وبخصوص الولاية القانونية على الأطفال، اقترحت الحركة إبقائها للأب “في حال قيام العلاقة الزوجية مع ترك المجال للأم في حال تعذر قيامه بذلك لمانع مقدر، وفي حال انفصال عرى الزوجية لا نرى مانعا من جعل النيابة مشتركة مع تخويل القضاء الفصل عند الاختلاف بما يحفظ المصلحة الفضلى للأطفال”.
واعتبرت الحركة أن “جعل الحضانة للأم مطلقا حتى في حالة زواجها يتعارض مع هذه المصلحة، وهو ما يقتضي جعل الأمر في حال زواجها بيد القضاء لتقدير المصلحة الفضلى للطفل، مقترحة “بقاء المحضون مع أمه حتى بعد الطلاق إلى حدود سن التمييز القانوني (12سنة)، مع تفعيل دور التتبع والمراقبة من قبل المكلفين بالمساعدة الاجتماعية بأمر القضاء لتلمس المصلحة الفضلى للطفل في البقاء مع أمه أو الانتقال إلى أبيه”.
وبشأن تدبير الأموال المكتسبة، أكدت الحركة على “حقوق طرفي الزواج فيما اكتسباه من أموال مكتسبة خلال فترة الزواج، وهو ما أطرته المادة 49 من مدونة الأسرة الحالية بوضوح كاف، وتؤكده نصوص الشرع من كتاب وسنة”، رافضة المقتضى الذي تضمنته التعديلات.
وبخصوص حقّ الاحتفاظ ببيت الزّوجية بعد وفاة الزّوج، نبهت الحركة إلى “ضرورة التقيد بالشرع الحنيف في توزيع الإرث وفقا للحقوق المكفولة من لدن الحكيم العليم سبحانه وتعالى، وتؤكد على أن تقدير إيقاف السكنى أو تأجيل اقتسام السكن الرئيسي لابد وأن يكون في إطار السلطة التقديرية للقضاء”.
وحول زواج المغاربة المقيمين بالخارج، اعتبرت أن هذا المقتضى يحتاج لتقييد كبير “إذ لا يتصور عقد زواج دون وجود شاهدين اثنين إلا في حالات تكاد تكون منعدمة، وهو ما يتطلب إعمال قاعدة سد الذرائع حتى لا يتم استغلال هذا الاستثناء لجعله قاعدة تخرج بالزواج من إطاره الشرعي إلى نموذج ” الزواج المدني” المعمول به في الأنظمة العلمانية”.
وأكدت الحركة تشبثها “بالمصطلحات الشرعية لكونها ليست مجرد تعبيرات بشرية وتاريخية بل هي في الغالب مصطلحات شرعية أنزلها الله تعالى في كتابه المجيد، وهي ذات حمولة شرعية ومضامين قيمية وأخلاقية ومعرفية تتجاوز بعض الفهومات السطحية والقراءات البسيطة والمختزلة”.
وبخصوص استحقاق طالبة التطليق للشقاق للمتعة، قالت الحركة “إننا لا نراه صوابا، إذ سيشجع كثيرا من النساء الراغبات في الفرقة ولو دون سبب على اللجوء إلى طلب التطليق للشقاق، فيلحقن بالزوج ضررا أولاّ هو الفرقة التي لم يطلبها ويتسبّب فيها، وضررا آخر جرّاء استحقاق المتعة”.
“مقترحات إيجابية”
أشادت الحركة بإحداث مؤسسة للصلح والوساطة، مفيدة أن ذلك يستجيب “لمطالب مجتمعية متعددة من أجل تعزيز التماسك الأسري والاستقرار الاجتماعي، خاصة في ظل ارتفاع حالات الطلاق والتطليق وصعوبات تطبيق مسطرة الصلح ومجلس العائلة المنصوص عليهما في المدونة الحالية”، داعية لاعتبارها أولوية تشريعية ومؤسساتية من خلال تقنينها وتفعيلها وتعيين أعضائها من العلماء والحكماء والخبراء النفسيين والاجتماعيين”.
وفيما يخصّ الزّواج دون سنّ الأهلية، اعتبرت الحركة “إقرار ضمانات جديدة للزواج دون سن الأهلية تدقيقا مهما ومفيدا، لاسيما الإبقاء على الاستثناء دون سن 18 سنة بالنظر للمعطيات الاجتماعية والثقافية وارتفاع مؤشرات الهدر المدرسي وغيرها، ورغبة من المشرع في التشجيع على الزواج وتيسيره وتوفير شروط نجاحه، غير أن هذا المقتضى القانوني يحتاج للمواكبة من خلال سياسات عمومية خاصة في مجال ضمان التمدرس والحماية الاجتماعية”.
وقالت المذكرة إن “فتح المجال أمام سماع دعوى الزوجية، إجراء حكيم لمعالجة الحالات الاستثنائية التي تعذر فيها توثيق الزواج في وقته، وهذا النص يؤكد اجتهاد محكمة النقض الذي سار على هذا النهج تشجيعا على التوثيق ومراعاة للظروف القاهرة التي قد تحول دون القيام به في وقته، وضمانا لحقوق الزوجة والأطفال في حالة وجودهم. مع التأكيد على أهمية توثيق الزواج واعتبار عقد الزواج الموثق الوسيلة الأصلية لإثباته”.
وأكدت أن حذف مسطرة اللجوء للقضاء في حالة الطلاق الاتفاقي والاكتفاء بتوثيقه أمام العدول، هو “إجراء حسن لكنه يحتاج إلى تقييد يُجوّد نتائجه من خلال ربطه بسلوك مسطرة الصلح والوساطة رغبة في استنفاد كافة السبل للحفاظ على تماسك الأسرة وعدم التشجيع على الفرقة والإسهام في حماية حقوق كافة الأطراف (الرجل والمرأة والأطفال) في حال الإصرار على المضي في ذلك”.
وفي موضوع النّفقة، أكدت احركة الحاجة الماسة “لهذا التوجه بما يحفظ حقوق جميع الأطراف تحت القاعدة الشرعية “لا ضرر ولا ضرار”. كما نؤكد على أن هذه المعايير المرجعية والقيمية لابد وأن تأخذ بالاعتبار مستوى المعيشة والدخل والسكن وسائر الظروف الاجتماعية والاقتصادية للطرفين بما يكفل الإنصاف والعدل:.
وأوردت أن مقتضى التّنصيص على “تقليص مدة البت في قضايا الطلاق والتطليق إلى ستة أشهر كحد أقصى”، يتماشى مع مقتضيات الدستور في الفصل 120، وترى الحركة وجوب الشروع في حساب أجل البت بعد الانتهاء من مرحلة الصلح والوساطة”.
وبخصوص التّعصيب، وتوارث مختلفي الدِّين، أفادت أن مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إلغاء التعصيب في حالة ترك البنات دون الأبناء”، والقاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للبنات، وكذا مقترح فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين في حال اختلاف الدين، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية وفق مقتضيات مدونة الحقوق العينية، يقدمان حلولا شرعية بديلة تجنب الأسر المسلمة المساس بأحكام الإرث المؤطرة بنصوص قطعية، ويفتحان الباب أمام العديد من الأسر التي ترى مصلحة في الأخذ بها”.
واعتبرت أن تمسك المجلس العلمي الأعلى بالنص على المذهب المالكي كمرجع يرجع إليه في كل الحالات لم يرد بشأنها نص، موقف حكيم ووجيه، وهو ما تنص عليه المادة 400 من المدونة الحالية، مؤكدة على الأهمية الكبرى للإبقاء على هذه المادة من أجل استقرار الأسرة واستمرارية الاجتهاد وفقا لأصول المذهب المالكي”.