يسرا طارق
شهدت منطقة العطاوية، وبالضبط في ضيعة ببين لقصور، حادثة مروعة، لو كنا في وضع أفضل، لشغلت الرأي العام الوطني وخلقت نقاشًا عموميا جديا حول تعاملنا، مؤسسات وجماعات وأفرادا مع الاختلالات العقلية والنفسية التي يعاني منها البعض ولا يجدون من يتكفل بهم. تقول فصول الواقعة، التي فجرتها أم أحد الضحايا، إن صاحب ضيعة وابنه، ومن خلال تواطؤ أحد الممرضين، حوّلا الضيعة إلى مستشفى غريب للأمراض النفسية والعقلية ومعالجة الإدمان، أشبه بما كان يقع في «بويا عمر» قبل إغلاقه. يتكون هذا المستشفى العجيب من زنازين بأبواب حديدية، يوضع فيها المرضى، ويوزع عليهم الدواء والمؤثرات العقلية بدون وصفات طبية، بل بدون تشخيص من قبل طبيب مختص. هؤلاء المرضى، وبحسب إفادات بعض المراسلين، كانوا يعاملون معاملة سيئة جدا، يعنفون، وتعطى لهم وجبات غذائية رديئة، ويجبرون على أداء بعض الأعمال الفلاحية، كل هذا مقابل أجر شهري تضطر عائلات المرضى لبعثه في متم كل شهر، لصاحب الضيعة- المستشفى المزعوم. جرت هذه الفظاعة خلف البوابة الحديدية الكبيرة للضيعة، وتحت عباءة صمت كل من يعرف، وأولهم العائلات التي تخلصت بكيفية إجرامية من فلذات أكباد، لهم وضعية خاصة، قد تكون مزعجة ومرهقة، لكنها، وبكل تأكيد، لا تبرر رميهم كل تلك المدة، وفي ذلك الجحيم، دون عذاب ضمير ودون متابعة أوضاعهم هناك.
ما جرى محزن، بكل تأكيد، وسيقول القضاء فيه كلمته، غير أن الواقعة تفرض علينا التفكير، وبصوت مسموع، في الطريقة التي مازلنا نعامل بها المرضى العقليين والنفسيين والمدمنين. المرض النفسي مرض مثله مثل مرض الجسد، ولم يخلق الله داء إلا وخلق له دواء، ولا يوجد واحد في منأى عن اعتلال عقله أو نفسيته في مرحلة من مراحل حياته.
علينا أن نتصالح مع المرض النفسي والعقلي، وأن نقبله ونتحرر من كل الموروثات الشعبية حول الاعتلال النفسي والعقلي، وأن نتحرر، بالأساس، من كل أشكال العلاج العتيقة، التي لا تعمل إلا على مفاقمة المرض، وبقدر ما يتوجب على الدولة توفير بنيات استشفائية كافية وقادرة على احتواء كل هذه الجحافل من المرضى، التي تتحرك في الطرقات، وتعرض أحيانا المارة للخطر، بقدر ما على السلطات المحلية في بعض المدن أن تحاول إيجاد حلول إنسانية وطبية لهذه الظاهرة، عوض شحن هؤلاء، مرة بعد المرة، في حافلات وإنزالهم في مدن منتمية للمغرب العميق.
كان الراحل عبد الكبير الخطيبي يردد أن من أسباب أعطاب العالم العربي، فكريا واجتماعيا وحتى سياسيا، عدم الانفتاح الواسع على التحليل النفسي.. هناك أشياء يحلو لنا حجبها ودسها في أماكن مظلمة، ويخيل إلينا، ولأننا لا نراها، أننا وجدنا حلا لها، وعوض مواجهتها بكل شجاعة، نهرب منها ونتجاهلها. المجتمعات لا تعالج اختلالاتها إلا بالشجاعة والوضوح.