الأربعاء, يناير 8, 2025
Google search engine
الرئيسيةالشامل المغربيلطيفة أحرار من التمثيل إلى التنظير  

لطيفة أحرار من التمثيل إلى التنظير  



أبرزت المناصب التي حظيت بها الممثلة المسرحية لطيفة أحرار، مدى ذكاء المغاربة، وقوة فطنة الشارع المغربي، وحكمة الرأي العام الوطني. فعند تعيين الممثلة مديرة المعهد العالي للفن المسرحي، تقبل الشارع المغربي هذا التعيين ولم يُقم الضجة الحالية في المنصب الجديد. تعيين ممثلة ومسرحية في منصب مديرة لمعهد متخصص في الفن المسرحي، تقبله ذكاء المغاربة، لأنه يخضع لمنطق العقل ويحترم ذكاء العقول. ولم نشهد عاصفة من التساؤلات كما هو الحال الآن.

لكن تعيين ممثلة مسرحية عضوة في مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقويم وضمان جودة التعليم العالي، يبدو أن ذكاء المغاربة لم يفهم هذا التعيين، لأن العقل الجمعي للمغاربة، لم يجد أي منطق في إقحام ممثلة مسرحية في مجال يتطلب مستوى عال وكفاءة من نوع خاص. فالمنصب يهم الجامعة التي يزاول فيها دكاترة وباحثين. هل لطيفة أحرار أبدعت نظريات في الجودة ومفاهيم جديدة في التقويم، تخول لها هذا المنصب؟

مما زاد الطين بلة، أن السيد وزير التعليم العالي، لم يخرج للرأي العام لكي يوضح ما هو المطلوب من السيدة أحرار في هذا المنصب العالي، وما هي المعايير التي على أساسها تم هذا الاختيار. كما أن لطيفة أحرار لم تعتذر عن هذا التعيين في مجال بعيد عنها، بل خرجت بتصريحات لم يفهم الرأي العام المغربي علاقتها بالمنصب. والأكثر من ذلك تصريحاتها للإعلام زادت حيرت الذكاء المغربي، حين اعترفت أن الناس يعرفونها كفنانة ومخرجة. ومن الطبيعي أن يتساءل الرأي العام عن مغزى هذا التعيين. لكن أحرار حاولت أن تبرز جانبا مرتبطا بكونها باحثة وتنشر مقالات علمية، لكن دون الحديث عن المجلات العلمية التي نشرت فيها مقالاتها، ولا عن مواضيع تلك الأبحاث المزعومة. علما أن الرأي العام المغربي، لم يطلع ولو على مقال واحد للمثلة المغربية.

والمعروف في التعليم العالي، أن المنشورات ومصادر الأبحاث هي عصب البحث الأكاديمي. لذلك تصريحات لطيفة أحرار عمقت الغموض الذي يدور في فلكه هذا التعيين، لأن الشارع المغربي لا يعرف للطيفة أحرار أي انتاج علمي أو معرفي، ولا سبق أن قامت بندوة أو محاضرة في مجال يخص التعليم العالي والبحث العلمي.  وهو ما زاد من حيرة الذكاء المغربي، ساهم في حدة انتقاداته للفنانة المسرحية.

لو خرج السيد وزير التعليم العالي وأوضح للمغاربة أن المنصب يتطلب شخصا له كفاءة معينة، وأبحاث في مجال متخصص، وهو ما يتوفر في السيدة أحرار، لذلك تم تعيينها في هذا المنصب…لو حدث هذا لتقبل الرأي العام المغربي هذا التعيين كما تقبل التعيين الأول في المعهد العالي لفنون المسرح. لكن عجز السيد الوزير عن تفسير هذا التعيين، والخروج الإعلامي للسيدة أحرار الذي لم يستوعبه ذكاء المغاربة، جعل الاعتقاد السائد هو أن تعيين الممثلة أحرار في مجال خاص بالتعليم العالي، غير خاضع لأي منطق، وأن السيدة لا تملك أي شيء تضيفه في هذا المنصب، ولا تتوفر على قيمة مضافة بهذا الخصوص. الأمر يعني أنه تعيين يدخل في إطار الريع الذي يحمل المغاربة حساسية مفرطة اتجاهه. فكانت هذه الضجة الكبيرة، وردود الأفعال الكثيرة، التي طرحت فقط الكثير من الأسئلة من قبيل:

-التعليم العالي يشتغل فيه دكاترة من مختلف التخصصات. والممثلة لطيفة أحرار لا تملك دكتوراة، فما علاقتها بهذا المنصب؟

-إذا كانت أحرار ممثلة ولا تحمل دكتوراة، فهل انقرضت الكفاءات في جامعات التعليم العالي والمدارس العليا، حتى نحتاج لممثلة لكي تُنظِّر لمستقبل التعليم العالي في بلادنا؟

-التعليم العالي يدخل في صلب اهتمام الأسر المغربية. لأنه مجال مرتبط بمستقبل أبنائهم، ومن حقهم الاطمئنان على أبناءهم لينعموا بتعليم عالي جيد، يضمن لهم الشغل ولما لا الابداع في البحث العلمي لتطوير بلادنا. لكن حين تسمع هذه الأسر أن هذه المهمة أُسندت لممثلة مسرحية، فالتخوف على التعليم العالي هو مشروع.

هناك أسئلة أخرى مشروعة، اهتم بها ذكاء المغاربة. فلو افترضنا جدلا أن لطيفة أحرار المرأة، وضعت خرقة على رأسها، هل كان سيتم تعيينها في هذا المنصب؟ المغاربة لا يحملون ذاكرة السمكة، فالكل يتذكر صحفية في القناة الثانية، فرضت نفسها في مجال كانت النساء اللواتي يشتغلن فيه لا يتجاوزن أصابع اليد. فرضت نفسها بكفاءتها، ومنيتها، وتفوقها في تقديمها للأخبار. لكن بمجرد أن وضعت على رأسها خرقة، تم إبعادها عن المجال الإعلامي، ولم تشفع لها حداثة المجتمع الذي يدفع بالمرأة لإبراز كفاءتها وقدراتها، فتم إقبارها منذ أكثر من عقدين.

هذا الواقع جعل الرأي العام المغربي لا يفهم مغزى هذا التعيين في منصب حساس واستراتيجي، فذهب به تفكيره، في ظل غياب أي تفسير عقلاني، إلى ربطه فقط بامرأة لها الجرأة في إبراز فخذها خلال حفل فني، والظهور أمام جمهورها بالملابس الداخلية. فامتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بصور فخذ الفنانة، وصورها فقط بالتبان الداخلي. هذا الأمر جعل الرأي العام المغربي، يتعسف على ذكاءه، ليجد مبررا عقلانيا ومنطقيا يفسر به هذا التعيين. على الأقل بهذا التعسف على الفهم، بدأ ذكاء الرأي العام يفهم المنطق الذي يحكم بعض القرارات. على هذا الأساس، يمكن للذكاء المغربي فهم إسناد هذا المنصب للطيفة أحرار.

يتساءل الرأي العام المغربي عن أسباب تعيين ممثلة مسرحية في مجال لا تملك فيه أي مقومات، وأي تجربة تخص التعليم العالي. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لطيفة أحرار بالذات، وليس عبد الحق الزروالي الذي يملك تجربة تفوق تجربة أحرار في المسرح؟

أنا كمغربي، غيور على بلادي، وأطمح أن أرى المغرب في مصاف الدول المتقدمة، كما أفتخر بما أنجزته بلادي من بنيات تحتية ومشارع واعدة، من حقي أن أخاف على مستقبل بلدي. من حقي أن أتوجس من مثل هذه التعيينات التي لا منطق فيها ولا عقلانية تحكمها. حين لا أجد في منصب حساس واستراتيجي مرتبط بالمستقبل، قامة من قبيل الدكتور والبروفيسور في الرياضيات محمد الخمسي على سبيل المثال، وفي المقابل أجد امرأة في هذا المنصب فقط لأنها ظهرت بالتبان الداخلي أمام جمهورها، وأبرزت فخذها في حفل فني، من حقي أن أتساءل عن مستقبل بلدي.

من حقي أن أصطف بجانب من يدفع ببلدي نحو العالمية، ويشتغل ليجعل المغرب يشق طريقه نحو الدول الصاعدة بعد نجاحه في مشاريع كبرى. من حقي أن أطرح الكثير من الأسئلة حول مغزى بعض التعيينات التي يجمعها خيط ناظم ويفسرها أصحابها بالحداثة والعصرنة. لكني كمتتبع لأسباب التقدم في البلدان الكبرى، لم أسمع أن امرأة تم تعيينها في منصب عال لأنها تبرز فخذها أو تظهر بالثبان أمام جمهورها. أخاف أن نبتعد عن مقومات الحداثة التي كانت وراء تقدم أوروبا، ونأتي بحداثة مشوهة “غادي تخرج علينا وعلى مستقبل بلادنا، وربما تساهم في تدمير ما أنجزه المغرب لحد الآن”.

كلنا نتذكر استقبال يوتيوبرز من قبل اللجنة المكلفة بالنموذج التنموي، وما خلفه من انتقادات كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي. من يتذكر هؤلاء الآن؟ لكننا نتذكر اقتراحات نبيلة منيب ومساهماتها في هذا الورش التنموي. تعيين ممثلة في منصب يهم التعليم العالي، يشبه استقبال يوتيوبرز في موضوع يخص التنمية. لا أثر لذلك الاستقبال في النموذج التنموي، وبعد سنوات، سوف لن نجد أي أثر لممثلة مسرحية في مجلس إدارة الوكالة الوطنية لتقويم وضمان جودة التعليم العالي. فلماذا هذا التعيين أصلا، إن كانت النتيجة معلومة؟

المغاربة يفتخرون بشدة في وسائل التواصل الاجتماعي، بما أنجزه المغرب من تقدم في البنيات التحتية والأوراش الكبرى، ويعتزون بهذه المنجزات التي تُشرِّف بلدنا. وفي ذات الوقت يستنكرون وبشدة أيضا، في وساءل التواصل الاجتماعي، تعيين ممثلة مسرحية في منصب بعيد عنها، لأنهم وجدوا فيه تعيينا بلا رائحة ولا طعم، وكأن الجفاف الذي يسود البلاد منذ سنين، أصاب كفاءات رجال التعليم العالي والجامعات والمدارس العليا. والواقع يقول عكس ذلك، إذا استحضرنا الجوائز العالمية التي يحرزها الباحثون وأساتذة التعليم العالي. فلماذا إبعاد هؤلاء الذين اعترفت بهم الحداثة الغربية، وتعيين ممثلة مسرحية؟

 



Source link

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

- Advertisment -
Google search engine

الأكثر شهرة

احدث التعليقات