تحولت جلسة البرلمان التي كانت تُفترض أن تكون مخصصة لمناقشة مشروع قانون المالية لعام 2025، فجأة إلى ساحة حامية للنقاش والغضب.
وعلت أصوات النواب مع تلاوة أسماء المتغيبين عن الجلسات العامة، وتحوّل الأمر من إجراء إداري إلى مواجهة بين البرلمانيين وبعضهم من جهة، وبينهم وبين الحكومة من جهة أخرى.
بينما كان الحاضرون ينتظرون تقارير لجان المالية والتنمية الاقتصادية، وجدت القاعة نفسها في خضم نقاش مشحون حول أخلاقيات الحضور والمسؤولية.
وبدأت الشرارة مع إعلان أسماء 158 نائبًا متغيبًا عن جلستين عموميتين في الرابع والحادي عشر من نونبر دون تقديم أعذار مقبولة.
هذا الإعلان، الذي جاء استنادًا إلى قرار مكتب المجلس ومداولات لجنة الأخلاقيات، اعتُبر من قبل بعض النواب إجراءً “انتقائيًا وغير قانوني”.
وأبدى نور الدين مضيان، عضو الفريق الاستقلالي، اعتراضه الصريح على القرار، مستندًا إلى المادة 395 من النظام الداخلي، التي تنص على أن إعلان أسماء المتغيبين يتم فقط بعد تغيبهم ثلاث مرات متتالية.
واعتبر مضيان أن ما حدث يمثل “خرقًا واضحًا” للنظام الداخلي.
ولكن ما أثار المزيد من الجدل هو المطالبة بمعاملة الوزراء بالمثل.
ولم يتردد سعيد بعزيز، عضو الفريق الاشتراكي، في التصريح بأن الإجراء رغم وجاهته “يفتقر إلى الشمولية”.
وقال في مداخلته: “لا يمكننا أن نتحدث عن شفافية وحوكمة دون أن نذكر الوزراء المتغيبين أيضًا، خاصة في الجلسات التي تناقش قضايا تدخل ضمن اختصاصاتهم”.
وتصاعد النقاش، وأصبح الغياب البرلماني أكثر من مجرد ظاهرة إدارية؛ بل بات رمزًا لمشكلة أعمق في العلاقة بين المواطنين وممثليهم المنتخبين.
ووفقًا للإحصائيات التي كشفت عنها لجنة المالية والتنمية الاقتصادية، في الجلسة السابقة، فإن معدل الحضور العام للجلسات لم يتجاوز 48%، بينما بلغت نسبة الغياب 52%.
هذه الأرقام ليست جديدة، لكنها تضع علامة استفهام حول جدوى الإجراءات السابقة التي اتخذتها رئاسة المجلس.
في محاولة لإخماد هذا الغضب، أعلن محمد صباري، نائب رئيس مجلس النواب، أن المجلس تلقى رسائل تبرير من بعض النواب الذين وردت أسماؤهم في اللائحة، وأن لجنة الأخلاقيات ستدرسها.
لكن هذا لم يكن كافيًا لتهدئة الأجواء، خاصة مع إصرار بعض النواب على أن القائمة اعتمدت على معطيات من الإدارة العامة، التي “لا تخضع لها المؤسسة التشريعية”، على حد تعبيرهم.
وفي المقابل، غصت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة والانتقادات اللاذعة.
كثيرون اعتبروا أن إعلان الأسماء خطوة إيجابية، لكنها ناقصة دون شمول الوزراء والمسؤولين التنفيذيين.
والبعض الآخر رأى أن هذه الأزمة تعكس “استهتارًا عامًا” بثقة الشعب ومكانة البرلمان كمؤسسة تشريعية.