“لا نحكم على التلاميذ بالأرقام”، عبارة جاءت على لسان مسؤولة إقليمية بوزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، تلخص “الثورة” التعليمية التي تحاول المدارس الرائدة بالمغرب إرساءها على أرض الواقع بعيدًا عن التركيز على النتائج الأكاديمية المتمثلة في الدرجات ونقاط اختبارات نهاية السنة.
وتؤكد المسؤولة أن المدارس الرائدة تعتمد على نموذج تعليمي مغاير يعتمد على تنمية المهارات الحياتية والذهنية للطلاب، بعيدًا عن التقيد الصارم بالنتائج الرقمية فقط، بغية تطوير التفكير النقدي، وتعليم المهارات التكنولوجية والابتكارية، وتوفير بيئة تفاعلية تشجع على البحث والاكتشاف.
كما تشير خديجة القبابي، المديرة الإقليمية لعمالة مقاطعة الحي الحسني، في تصريح لجريدة “مدار21” الإلكترونية، إلى أن “الحكم” في المدارس الرائدة يعتمد على المستوى الفعلي في التحكم في التعلمات الأساسية، مبرزة أنه بفضل التكوينات والتكنولوجيات الحديثة والتتبع المستمر أصبح يقاس النجاح ليس فقط بالأرقام.

وتشرح المسؤولة أن المشروع انطلق أولًا بالجانب التنظيمي، إذ تم تأهيل شامل للمؤسسات المعنية، والتي تم تجهيزها بتجهيزات تخدم التلميذ وتقوي مهاراته، أبرزها العارضات الضوئية والحواسيب المتصلة جميعًا بالإنترنت والمتوفرة في جميع الأقسام. وفي الجانب التربوي، تم التكوين المستمر لفائدة الأساتذة.
وعلى مستوى مديرية حي الحسني، تشير إلى أنه تم الحصول على نتائج جد مشرفة على المستوى الوطني، إذ إن قياس نسبة التحكم في التعلمات كانت في بداية شتنبر لا تتجاوز 13%، لكن بعد تقديم الدعم للتلاميذ وفق المستوى المناسب لكل واحد منهم، ارتفعت إلى 50%، معتبرة أن ذلك مؤشر جد إيجابي يحفز على الاستمرار والعطاء.
من جهته، أكد إدريس الطويل، مدير مؤسسة الحدائق، أن وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي تعتبر مشروع “مدارس الريادة” خطوة أساسية نحو مدرسة عمومية توفر تعلمات ذات جودة وتعتمد على مقاربات تربوية حديثة مثل التدريس الصريح والتدريس وفق المستوى المناسب (TARL)، لضمان نجاح كل التلميذات والتلاميذ وفق إيقاع تعلمهم الخاص، مما يعزز تكافؤ الفرص ويضمن إنصافًا تعليمياً حقيقياً.
ولم يقتصر الرضا عن نتائج المدرسة الرائدة لدى المسؤولين والأطر التربوية فقط، بل إن التلاميذ الذين التقتهم جريدة “مدار21” بمدرسة الحدائق بالدار البيضاء أكدوا أن النسخة الجديدة للمدرسة تنال إعجابهم، وخاصة فيما يتعلق بطريقة التدريس وتنظيم المسابقات وتحديات المطالعة والقراءة.
ويمثل مشروع المدارس الرائدة، بحسب وزارة محمد سعد برادة، إطارًا عمليًا لتنزيل خارطة طريق الإصلاح التربوي 2022-2026، يهدف بالأساس إلى تعزيز التحكم في التعلمات الأساسية لدى التلميذات والتلاميذ إلى جانب ترسيخ قيم التفتح والمواطنة، من خلال مقاربة شاملة ترتكز على الجودة والابتكار وتعزيز دور جميع الفاعلين في المجال التعليمي.
ويرتكز المشروع على مجموعة من الأسس التي تسهم في تحسين الأداء المدرسي وتعزيز جودة التعلم، ومن أبرزها تحسين جودة التعلمات الأساسية عبر اعتماد استراتيجيات تدريس مبتكرة تركز على الفهم العميق للمحتوى الدراسي وتطوير المهارات الأساسية. وتهيئة بيئة مدرسية محفزة: يشمل المشروع إعادة تأهيل الفضاء المدرسي وتوفير بيئة تعليمية تشجع على التحصيل الدراسي والتفاعل الإيجابي.

إلى جانب ذلك، تعزيز التفتح والمواطنة، من خلال أنشطة موازية تسهم في تطوير شخصية التلاميذ وصقل مهاراتهم الاجتماعية. ومقاربات مبتكرة في التدريس مثل التدريس الصريح، إذ يعتمد على تقديم التعليمات بشكل واضح ومنهجي، مع التركيز على التوضيح التدريجي للمفاهيم، تقديم أمثلة عملية، والتدرج من التوجيه المباشر إلى الاستقلالية في التعلم، وكذلك التدريس وفق المستوى المناسب (TaRL) الذي يعزز الدعم التربوي من خلال التركيز على التعلمات الأساسية وقياسها المستمر لضمان اكتساب المعارف بشكل فعال.
يشار إلى أنه تم إرساء ورش المدارس الرائدة، خلال الموسم الدراسي 2024/2023، في مرحلة تجريبية، بـ 626 مؤسسة تعليمية ابتدائية عمومية في الوسط الحضري وشبه الحضري والقروي، إذ استفاد منه 322 ألف تلميذ(ة) بتعبئة ومشاركة طوعية لما مجموعه 10.700 أستاذة وأستاذ عاملين بهذه المؤسسات التعليمية وبتأطير ومواكبة من 157 مفتش(ة) تربوي(ة).
وعملت الوزارة على التوسيع التدريجي لهذا المشروع، إذ انتقل عدد هذه المؤسسات من 626 إلى 2.626 مؤسسة ابتدائية خلال هذا الموسم، ومن المرتقب أن يصل عدد التلاميذ المستفيدين برسم هذه السنة إلى 1.300.000 تلميذ(ة)، وذلك في أفق تعميم هذا المشروع وبلوغ 8.630 مؤسسة ابتدائية برسم الموسم الدراسي 2028/2027.
