
بمناسبة اليوم العالمي للشعر 21 مارس 2025، وجه بيت الشعر في المغرب كلمة لتخليد هذه الذكرى التي تبلغُ هذه السنة يوبيلها الفضّي.
كتب الكلمة الشاعر المغربي رشيد المومني، فيما صورة ملصق الاحتفالية للفنان الفوتوغرافي عادل أزماط.
الاحتفاءُ باليوم العالميِّ للشعرِ
احتفاءٌ بالشُّعلةِ المُقَدَّسةِ لأوَّلِ التَّكوينِ
بحلُول الواحد والعشرين من مارس للسنة الجارية، سيكون لِشُعراء العالمِ أن يحْتفُوا بمرور ربعِ قرنٍ على تاريخ اعتماده من قبل المنظمة العالمية للتربية والعلوم والثقافة “يونيسكو ” يوما عالميا للشعر، حيث أقرّته خلال انعقاد الدورة الثلاثين لمؤتمرها السنوي بباريس سنة 1999، استجابةً منها للمبادرة التي تقدَّم بها بيت الشعر في المغرب.
والاحتفاءُ باليوم العالمي للشعر هو احتفاءٌ بوهج تلك الشُّعلة المقدَّسةِ التي حدَث أن أَعلنتْ في فجر الخليقة عن حظوة حضور الكائن في البؤرة المركزية من رحابة وشتاتِ هذا الوجود. حُظوةٌ، يتفرَّد فيها الولَهُ الشِّعريُّ وحده بمُلامسة سحريتها العالية، أكثر من أيَّ وَلَهِ أيِّ جنسٍ معرفيٍّ آخر مُعتَدٍّ بسلطته الفكرية أو الإبداعية.
إنّ الشعر بهذا المعنى، و بفعل قُدرتِه على استِكناه دواخل الغامضِ و الملتبسِ، هو الخَدِينُ التاريخي لجوهر الأسرار البشرية و الكونية، ظلاميةً كانت أو تنويريةً، لكونه، وتبعا لذلك، يمتلكُ شيفرة العبور إلى مكامِنها المضمرةِ و المعلنةِ، بموازاة امتلاكِه لشيفرة فضْح كل النوايا الآثمة، المتربصة بشرعية الوجود الإنساني الذي يحق للكائن أن يعتز بها في مداراته المتاهيةِ، ضدًّا على أعداء الحياة. أُولئك المهووسون بإخماد قداسةِ الشعلة وإسكاتِ موسيقى نبضها. و هي القرابة التي يستمدُّ منها الشعرُ مصداقية حضوره هنا والآن، بصرف النظر عن الملابسات الجغرافية والحضاريةِ المؤشرة على خصوصية ما اعتبرناه حضُورا .
إنّ حركيةَ العالمِ، و مهما أمْعَنتْ في ازوِرارِها الفادِح، الفاضح، و المتوحش عن الأنوار المنبثقة من شعلة الخلق التي تستضيءُ بها كل التشريعات الدينية و الأخلاقية و الحقوقية بمختلف مرجعياتها المؤسساتية، فإنها ستظل و إلى الأبد، مطاردةً بحضورِ سلطة الشِّعريِّ الذي كان و سيظلُّ، جديرا بالحلول في معجزة تجلِّى الكائنِ على صفاء شاشة الوجود. كما سيظلّ في نفس الآن، معْنِيًّا بحماية وصيانة دلالات و أَبْعاد هذا التجلي، التي يتعذر على الطغاة و القتلة العبث بقداسته، على غرار عربدتهم البدائية حاليا في تلك الرقعة المستباحة المسمّاة بغزة، حيث يتألّق تلقائيا اسمُ الشاعر الفلسطينى محمود درويش، الذي كان قد خصَّها بأجمل ما جادت به شعريته الخلاقةُ من قصائد.
و بالتالي، فإن مجال حضور الشعر، هو ذلك الفضاءُ الهادر بأقْصى مستوياتِ التوتر الناتج عن تصاعد وتيرة التَّضادِّ القائمةِ بين مواكبِ الضوء، وجحافل الظلام . و هي الحالة التي تنْكشفُ فيها وبالملوس ملامحُ ذلك الصراع الأبديِّ القائم بين تطلُّع الكائن إلى تكريس حقه الإنساني في ضمان مكانٍ آمِنٍ تحت الشمس ، وبين سَدنَة المَحو و الإبادة المهووسين بإضرام نيران محارقهم في أوصال كل ما له صلةُ قرابةٍ بحقِّ الكائن في الوجود.
إن عنف هذ الصراع هو الإطارُ الحتميُّ الذي نذَر الشعر جماليته للاستجابة إلى ندائه، بالتَموضُعِ في عمق مُلابساته بكل ما تمتلكه بنياتُه المتفرعةُ و المتشعبةُ من إبدالاتٍ، تتعدّد و تتنوّع معها أنساقُ القول، بما هي اختياراتٌ واستراتيجيات تعبيرية، منذورةٌ لانفتاحها على تخُوم الاختلاف، تلك الواعدة تحديدا بما أمكن من أنوارها.
هكذا إذن، سيكون الاحتفاءُ باليوم العالمي للشعر، بمثابة دعوةٍ مُترعةٍ بنُبْلِها الثقافي والحضاري للاحتفاء بجوهر الكينونة، بما هي أفُقٌ ممكنٌ، لإبداع عالَمٍ إنسانيٍّ يسوده مبدأ الحق في الوجود، على قاعدة الاعتراف المتبادلِ بالآخر، ضمن الأُسسِ و القيم الحقوقية التي طالما ناضلت شعوب الأرض، و على مر العصور، من أجل تكريسها بوصفها ثوابت سامية، لتحقيق فضيلةٍ التفاهم والحوار .