حقق المغرب إنجازا سياحيا غير مسبوق خلال عام 2024، حيث أعلنت وزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني عن تسجيل رقم قياسي جديد باستقبال 17,4 مليون سائح، وهو ما يمثل تجاوزا للطموحات المسطرة في خارطة الطريق السياحية لعام 2026 قبل موعدها بسنتين، يعكس تحول المغرب إلى وجهة سياحية عالمية قادرة على جذب أعداد متزايدة من السياح، سواء من الخارج أو من صفوف مغاربة العالم.
ويأتي هذا الأداء المتميز في سياق دينامية إيجابية مستمرة، حيث شهدت المملكة زيادة بنسبة 20% في عدد الوافدين مقارنة بسنة 2023، أي ما يعادل 3 ملايين سائح إضافي، وهو ما يشير إلى التطور المستمر للقطاع السياحي الوطني، وتعكس التوازن اللافت بين السياح الأجانب والمغاربة المقيمين بالخارج.
أرقام كبيرة
فيما يخص الأرقام المحققة، أوضح خبير المجال السياحي، الزوبير بوحوت، أنها زيادة قدرها 20% مقارنة بعام 2023، مشيرا إلى أن 68% من الوافدين قادمون عبر النقل الجوي، أي عبر المطارات، ما يبرز أهمية النقل الجوي في تعزيز الديناميكية الموجودة، بمعنى أنه من أصل 17 مليون وافد، اختار 11 مليون و800 ألف منهم النقل الجوي، بزيادة قدرها 23%.
وأشار بوحوت، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن هذا الرقم يشمل مغاربة العالم أيضا، الذي بلغ عددهم 8 مليون و600 ألف مقارنة بـ 8 مليون و800 ألف من السياح الدوليين، ما يعني أن 49% من الوافدين هم مغاربة، وهو المؤشر الذي يجب العمل على تحسينه حسب المختص كون أن الدول السياحية الكبرى تصل فيها نسبة السياحة الدولية إلى 80%-85%، وعلى سبيل المثال، نجد تركيا التي استقبلت 51 مليون سائح، منهم 45 مليونا من السياح الدوليين.
وسجل المتحدث ذاته أن زيادة عدد المطارات كان مهما، ورغم ارتفاع نسبة الوافدين عبر هذه القنوات بنسبة 23%، إلا أن هناك تفاوتا بين مطارات المملكة. فمطار مراكش استقبل 4.3 مليون سائح، ما يمثل 30%، وسجل زيادة بنسبة 33%، يليه مطار الدار البيضاء الذي سجل توافد 2.5 مليون سائح، بزيادة 9%، ثم مطار أكادير الذي استقبل 1.27 مليون سائح، بزيادة 35%. واستمرت الزيادة بنسب متفاوتة حتى مطاري فاس والرباط اللذين حققا زيادات بنسبة 13% و42% على التوالي، رغم أن الأرقام ما زالت ضعيفة فيهما.
واعتبر بوحوت أن ميناء طنجة المتوسط والمدينة سجل أيضا استقبال 1.7 مليون وافد، وهو رقم مهم، حيث شهد ميناء طنجة المتوسط تحديدا توافد 1.2 مليون وافد، بزيادة قدرها 16%، وبخصوص الوافدين عبر الطرق البرية، فقد شهدوا زيادات أيضا، سواء عبر معبر بني نصار أو معبر سبتة المحتلة، ما يرفع الأرقام قليلا، مضيفا أن معبر سبتة شهد دخول 1.8 مليون وافد، ومن بني نصار 1.5 مليون، ليصل العدد الإجمالي للوافدين عبر هذه الطرق إلى أكثر من 3 ملايين.
ويرى المهني ذاته أن “الانتعاشة كانت مرتبطة بتطور النقل الجوي كما لاحظنا، لكن الملاحظ أن النشاط يتمركز في ست مدن رئيسية، وخاصة مراكش، أكادير، والدار البيضاء، حيث تجاوز عدد الوافدين في كل منها مليون شخص، بينما باقي المدن تسجل أرقاما أقل”.
الانفتاح على أسواق جديدة
أكد الزوبير بوحوت، أن السوق الأوروبية تظل المصدر الرئيسي للسياح، إذ شكلت خمس دول أوروبية نحو 65% من الوافدين، وتصدر الفرنسيون القائمة بـ2.4 مليون سائح، بزيادة بلغت 21% بفضل تعزيز الربط الجوي. تلاهم الإسبان بمليون ونصف سائح وزيادة قدرها 15%. أما السياح البريطانيون، فقد سجلوا أعلى نسبة نمو بـ47%، وبلغ عددهم قرابة المليون، مسجلا استقرار أداء السوقين الإيطالية والألمانية، بينما سجلت الولايات المتحدة نسبة نمو ضعيفة مقارنة بالأسواق الأوروبية.
وفيما يخص الأسواق البعيدة، أشار المتحدث إلى عودة قوية للسياح الصينيين مع تسجيل 106 آلاف وافد وزيادة بـ78%. كما سجلت السوق الكندية نموًا بنسبة 15% بعد فتح رحلات مباشرة إلى مراكش.
ورغم المؤشرات الإيجابية، أكد بوحوت أن النشاط السياحي يتركز في المدن الكبرى مثل مراكش، أكادير، والدار البيضاء، حيث تجاوز عدد الوافدين في كل منها مليون سائح. في المقابل، تظل المدن السياحية الأخرى مثل شفشاون، الصويرة، درعة تافيلالت، والداخلة بحاجة إلى مزيد من الدعم لتحقيق قفزات نوعية.
صراعات داخلية
وأوضح أن العدالة المجالية في توزيع النشاط السياحي تتطلب تدخل الجهات المحلية والمسؤولين الإقليميين، مقدما مثالا بجهة مثل درعة تافيلالت إذ أنه وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات تنموية منذ عام 2021، إلا أن تنفيذ المشاريع لا يزال يعاني من عراقيل بيروقراطية وصراعات داخلية.
والنتيجة، حسب الخبير ذاته، هو خسارة القطاع السياحي بصفة عامة مقارنة مع الإمكانات المتواجدة والتي تتيح فرص أكبر للتطور مما هي عليه الآن، على اعتبار أن هناك جهات لديها مؤهلات كبرى لا تستفيد وبالتالي فإن الشباب لا يستفيد، ما يرفع البطالة ما يؤكد وجوب ربط المسؤولية بالمحاسبة، وبالتالي على المسؤولين على مستوى الجهات أن يتحملو المسؤولية.
وشدد الزوبير بوحوت، على أن الولاة هم المسؤولون الرئيسيون عن تنفيذ خطة تطوير السياحة في منطقتهم، وفقا للاتفاقية الموقعة، إذ أن لهم مهمة متابعة المشاريع السياحية والتأكد من سيرها بالشكل المطلوب، مسجلا أن العديد من المناطق تواجه مشاكل مشابهة في توزيع المسؤوليات، لذلك من الضروري أن يتحمل كل من رئيس الجهة والوالي مسؤوليته الكاملة.
وعلى مستوى الأهداف المستقبلية، أشار الخبير السياحي إلى أن المغرب يقترب من تحقيق أهداف سنة 2026 مع تسجيل 17.4 مليون سائح، داعيا إلى رفع سقف الطموح إلى 23 مليون سائح بحلول 2026 وأكثر من 30 مليون بحلول 2030.
ولتحقيق ذلك، شدد المتحدث على ضرورة الاستثمار في تجديد الطاقة الاستيعابية للمملكة، إذ تعاني العديد من الفنادق من الإغلاق أو الحاجة إلى الصيانة، مشيدا ببرنامج “كاب أوسبيتاليتي” والمبادرات التي تقودها الشركة المغربية للهندسة السياحية، مؤكدا أهمية تبسيط المساطر لدعم المستثمرين وتحسين جودة الخدمات لجذب وكالات السفر العالمية.