“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
أول تجربة تنظيمية للمغرب وإعفاء السملالي
يعتبر الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منصف اليازغي، أن “فترة الثمانينات شهدت أحداثا بارزة في جميع المجالات، مبرزا أنه يمكن التفريق بين مغرب ما ما قبل 1983 على المستوى الرياضي ومغرب ما بعد 1983، وخاصة بعد تنظيم الألعاب المتوسطية، مشيرا إلى أن هذه الأخيرة “أصبحت منافسة هامشية تتقاذفها الدول ولا يوجد حماس كبير لاستضافتها كما كان في السابق ولم تعد مثل الدورات التي كانت في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، حيث كانت تتميز بمشاركة كبيرة واهتمام واسع من لاعبين وعدائين كبار”.
وبالعودة لدورة 1983، فقد شارك المنتخب المغربي الأول بشكل كامل، ولم يكن منتخباً أولمبياً أو أي منتخب آخر من الفئات السنية، وتقدم المغرب لاستضافة هذه الدورة بعد دورة الجزائر عام 1975، إلا أن قانون الألعاب المتوسطية ينص على أن الدورات تُنظّم بالتناوب بين الضفة الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، وهكذا، بعد استضافة الجزائر عام 1975، وأيضاً يوغوسلافيا (مدينة سبلِيت) في 1979، جاء الدور على المغرب لاستضافة دورة 1983.
تنظيم تلك الألعاب المتوسطية لم يكن سهلاً بسبب تحديات مالية كبيرة آنذاك، حسب اليازغي، فقد واجه المغرب ارتفاعاً قياسياً في المديونية الخارجية، بالإضافة إلى انخفاض أسعار الفوسفاط وزيادة تكاليف إنشاء مؤسسات عمومية في السبعينيات، كما تحمل المغرب تكاليف قضية الصحراء المغربية، حيث ذكر الحسن الثاني في خطاب أواخر السبعينات أن تكلفة الصحراء بلغت مليار سنتيم تصرف يوميا.
وبسبب تلك الظروف، كانت اللجنة الأولمبية الدولية قد وضعت مدينة نيس الفرنسية كخيار احتياطي في حال عدم إتمام المغرب تجهيزاته، إلا أن المغرب تمكن من إكمال الأشغال بدعم مالي من دول الخليج، مثل العراق، السعودية، والكويت، ففي تلك الفترة، أنشأ المغرب بنية تحتية رياضية مهمة، قاطعة مع الإرث الاستعماري الفرنسي، من أبرزها، بناء ملعب وجدة، توسيع ملعب محمد الخامس، بناء ملعب مولاي عبد الله، وإنشاء القاعة المغطاة بجانب ملعب محمد الخامس التي تضم مسبحاً ومرافق أخرى، كما تم تجهيز مدينة سطات لاستضافة بعض التظاهرات الرياضية.
ويروي اليازغي أن الملك الراحل الحسن الثاني قرر إعفاء وزير الشباب والرياضة عبد اللطيف السملالي من رئاسة اللجنة المنظمة، وعوضه الملك محمد السادس، الذي كان ولي العهد آنذاك، للوقوف على التجهيزات التنظيمية، حيث أعطى وجود ولي العهد زخمًا كبيرًا، وتم حشد جهود الجيش والقوات المسلحة الملكية لإنجاح التظاهرة.
نتائج تاريخية وخطة الحسن الثاني
على صعيد النتائج، حصل المغرب آنذاك على لقب كبير في الألعاب المتوسطية، التي كانت تضم العديد من الرياضات، إلا أن كرة القدم كانت دائما الرياضة التي تثير أكبر قدر من الاهتمام والإثارة، وقبل المباراة النهائية أمام تركيا، استقبل الراحل الحسن الثاني المنتخب المغربي في قصر الصخيرات، حيث كان يُرشد اللاعبين ويوجههم حول طريقة اللعب وتحدث مع اللاعبين والمدرب، ووقف يشرح لهم باستخدام رسم للمثلثات كيف يمكنهم اللعب وتنفيذ التكتيكات على أرضية الملعب ووضع لهم خطة الفوز باللقاء.
هذه الخطوة، أثارت اندهاش وإعجاب مدرب المنتخب المغربي آنذاك، فالونتي، حيث قال للاعبيه بدهشة بعد الخروج من القصر: “أي ملك هذا الذي يفهم في كرة القدم إلى هذا الحد وبهذا الشكل؟”، حيث عبر فالونتي عن انبهاره بهذا المستوى من الفهم العميق لكرة القدم من الملك الحسن الثاني، حتى قال إنه يستطيع أن يتحدث عن أي أمر في مجال تخصصه دون أن يستطيع أحد أن يعترض على كلامه، نظرًا لمنصبه ومكانته.
ولم يكن هذا الاعتراف هو الأول من المدربين حيث أكدوا البراعة التي كان يتمتع بها الحسن الثاني في التخطيط الكروي، حيث سبق للحسن الثاني أن أرسل، بين شوطي إحدى مباريات فريق الجيش الملكي في كأس محمد الخامس التي كانت تُقام في الستينيات، وثيقة تحتوي على تعليمات دقيقة جدًا للمدرب، وتُظهر الفكر الكروي المتقدم الذي كان يتمتع به.
في تلك المباراة النهائية أمام تركيا، فاز المنتخب المغربي بالميدالية الذهبية، كما كانت تلك البطولة مليئة بالإنجازات، مثل فوز عبد الحق عاشق بالميدالية الذهبية، وفوز فضلي في الملاكمة، وتألق العدائين المغاربة كنوال متوكل وسعيد عويطة، ورغم أن المغرب لم يحتل المرتبة الأولى في الترتيب العام، إلا أن الفوز بمنافسات كرة القدم كان له تأثير كبير، إذ أظهر مدى الشعبية الكبيرة التي تتمتع بها هذه الرياضة في المغرب.
ويقول اليازغي: “ما خلفته لنا هذه الألعاب المتوسطية هو أنها ساهمت في بناء صورة الرياضي الرمز وأصبح لدينا نماذج رياضية واضحة أمامنا من أبطال رياضيين تمكنوا من تحقيق إنجازات كبيرة، وهذا النجاح أدى إلى زيادة عدد الممارسين الرياضيين المرخص لهم في إطار الجمعيات بشكل ملحوظ في ظرف سنتين فقط بعد عام 1983، وتشجع المغاربة على ممارسة كرة القدم، حيث رغب الجميع في لعب كرة القدم.
كانت محطة عام 1983 أساسية في تاريخ الرياضة المغربية وشكلت أساس المنتخب الذي سيلعب في مونديال 1986، حيث شارك معظم اللاعبين في دورة 1986، إذ يعتبر اليازغي أن “سنة 1983 كانت مرحلة جوهرية في تاريخ الرياضة المغربية”.