“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
استحواذ المسؤولين العسكريين على رئاسة جامعة الكرة
بداية من سبعينيات القرن الماضي ووصلا إلى سنة 2009، استحوذ المسؤولون العسكريون، أغلبهم من الجيش الملكي، على رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من خلال 4 رؤساء، أشهرهم الجنرال دوكور دارمي حسني بنسليمان، وهو ما اعتبره الدكتور الباحث في السياسات الرياضية، منطقيا على اعتبار، أن مؤسسة الجيش الملكي هي المؤسسة الأكثر تنظيماً في المغرب.
كما أن مؤسسة الجيش الملكي تعتبر الأكثر التزاماً في عدة أمور، سواء في علاقتها مع الملك أو في العمل الذي تقوم به، بالإضافة إلى الموارد المتاحة لها في إطار عملها اليومي وبالتالي، بالنسبة للراحل الحسن الثاني، كانت المؤسسة هي الأكثر قدرة على فرض الانضباط داخل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، حسب اليازغي.
ولفت المتحدث ذاته أن المنتخب المغربي شهد بعض الانفلاتات في بعض التظاهرات الرياضية من قِبَل اللاعبين ووقعت أمور لا تشرف المغرب، وفق تعبيره، لذلك كان من الضروري فرض الانضباط، خاصة أن شخصية الرجل العسكري تتميز بالانضباط خاصة خلال عهد الجنرال حسني بنسليمان، فضلا عن الإمكانيات اللوجستية المتاحة.
وكان حسني بنلسمان يوفر طائرات من طراز “سي 130” لخدمة المنتخب الوطني أو بعض الأندية المغربية، بالإضافة إلى ذلك، فإن الحسن الثاني كان يضمن أن الجامعة التي يقودها رجل مثل الجنرال حسين بن سليمان أو حسين الزموري تحصل على اعتمادات مالية عبر مؤسسات عمومية، فقد كانت المؤسسات بحاجة إلى الثقة في الشخص الذي يقود هذه العملية، وهذا هو السر في هذا التوجه، حسب اليازغي.
الميزانية التي كان يدير بها الجنرال حسين بن سليمان جامعة كرة القدم لم تتجاوز 15 مليار سنتيم. بينما حالياً، تمتلك الجامعة ميزانية تزيد عن 87 مليار سنتيم، حسب اليازغي، ومن هنا يظهر الفارق في الإمكانيات، وفي عهده وصل المغرب إلى نهائيات كأس العالم 1986، وفي عام 2004 وصل إلى نهائي كأس إفريقيا قبل الخسارة من تونس في المشهد الختامي.
الانتخابات النزيهة الوحيدة
يروي منصف اليازغي أن أول رئيس من المؤسسة العسكرية تقلد مسؤولية رئاسة الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم هو المهدي بلمجدوب وكان شخصية مثيرة للاهتمام، وفق تعبيره، فقد كان لاعباً في الجيش الملكي في نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، وكان لاعباً متميزاً، وأصبح لاحقاً كاتباً عاماً للجامعة ومن ثم رئيساً لها.
هذه الشخصية، حسب اليازغي، صعدت بطريقة طبيعية جداً، دون وجود أي تدخلات أو ضغوط وخلال فترته، شهد المغرب الانتخابات الديمقراطية الوحيدة في تاريخ كرة القدم المغربية حتى عام 2014، حيث كانت تلك الانتخابات تعتمد على صناديق الاقتراع.
ويعتبر اليازغي أن مهدي بلمجدوب كان الرئيس الوحيد الذي صعد عبر انتخابات ديمقراطية في عام 1978، وفي بداية عام 1979، جرت عملية تصويت أخرى أثارت الكثير من الجدل في تاريخ كرة القدم المغربية، حيث كان السؤال المطروح “هل يستمر مهدي بلمجدوب رئيساً أم يتم تنحيته؟”، وكان كان بينه وبين وزير الشباب والرياضة السابق عبد اللطيف السملالي وبفارق صوت واحد، بقي بلمجدوب رئيساً للجامعة، وكانت تلك الانتخابات ديمقراطية حقيقية، دون تدخل أو تعيين، حسب اليازغي.
ورغم ذلك، لم يحالف الحظ مهدي بلمجدوب، إذ تصادفت فترته مع خسارة المغرب أمام الجزائر في تصفيات الألعاب الأولمبية بموسكو يوم 9 دجنبر 1979 بنتيجة 5-1 في الدار البيضاء وأدى ذلك إلى تنحيته وكل أعضاء الجامعة في تلك الفترة.
ويحكي اليازغي أنه “في باقي الفترات فقد كان الاعتماد على تعيينات “فوقية”، حيث يتم اختيار رئيس الجامعة بناءً على توجيهات عليا من القصر الملكي، أو الترويج لشخص معين مرغوب فيه من جهات عليا قبل انعقاد الجمع العام وتكون العملية غالباً كانت محسومة مسبقاً، مع بعض المظاهر التمثيلية التي تظهر وكأنها إجماع”.
استمرار السيطرة العسكرية
بعد ذلك، جاءت لجنة إدارية من وزارة الشباب والرياضة، ثم في نهاية عام 1985، ومع تأهل المغرب إلى كأس العالم 1986، كان من الضروري أن تكون للجامعة شرعية وبناءً على ذلك، تم التواصل مع الراحل الحسن الثاني خلال زيارته للأقاليم الصحراوية في أواخر عام 1985، حيث تم تعيين العقيد إدريس باموس رئيساً للجامعة.
إدريس باموس قاد الجامعة من نهاية 1985 حتى عام 1992، حين خرج المغرب بطريقة غريبة جداً من الدور الأول في كأس إفريقيا في السنغال، بعدها تم إعفاء إدريس باموس، وتولى الجنرال حسين الزموري قيادة الجامعة بين عامي 1992 و1994، ثم جاءت لجنة مؤقتة تحت إشراف الجنرال دو ديفيزيون حسني بن سليمان بعد النتائج الكارثية في مونديال 1994 في الولايات المتحدة قبل تعيينه بصفة دائمة إلى غاية 2009.