“قرن من الكرة”.. برنامج يستعرض أكثر من مئة عام من تاريخ كرة القدم المغربية، منذ بداياتها الأولى حتى تحقيق الإنجازات التي رفعت الراية الوطنية عاليًا، رفقة الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، حيث يسترجع البرنامج حقبة مهمة من التاريخ ويحتفي بروح الإنجاز والإلهام التي رافقت مسيرة كرة القدم المغربية على مدار أكثر من قرن من الزمن.
يأخذكم البرنامج في رحلة عبر الزمن، لاستكشاف كيف شقت كرة القدم طريقها في المغرب، متأثرة بالظروف الاجتماعية والسياسية التي شكلت ملامحها الأولى خلال فترة الاستعمار، ويتوقف البرنامج عند أبرز المحطات التاريخية، بدءًا من تأسيس الأندية الوطنية وانطلاق المشاركات المغربية في المحافل الدولية، وصولًا إلى اللحظات التي توجت فيها الكرة المغربية مجدها على الصعيدين القاري والعالمي والتطور الكبير الذي شهدته الكرة الوطنية في الألفية الحديثة.
تضامن المغرب مع الجزائر
يروي الدكتور الباحث في السياسات الرياضية منصف اليازغي، أن تاريخ الكرة المغربية عرف حدثا تاريخيا في أواخر خمسينيات القرن الماضي في علاقة بالمغرب والجزائر، حيث كانت هذه الأخيرة ما تزال تحت الاحتلال الفرنسي، إذ لم تستقل إلا في سنة 1962.
وقامت الجزائر، حسب اليازغي، بخطوة رائعة في فرنسا عن طريق لاعبيها المحترفين في فبراير 1958، حيث تم باتفاق سري بين اللاعبين الجزائريين المحترفين في فرنسا أن يغادروا فرنسا ويتوجهوا إلى تونس لتأسيس منتخب جبهة التحرير الجزائرية، وتم الأمر بشكل سري، حيث كان اللاعبون نجوما كبارًا في أنديتهم الفرنسية، وكانوا يتقاضون أجورًا مالية مرتفعة جدًا، وضمت القائمة لاعبين يلعبان مع المنتخب الفرنسي آنذاك، وهما المخلوفي والزيتوني، بالإضافة إلى لاعبين آخرين مثل بن طيفور، ورواري، الذين كانوا مؤثرين في أنديتهم الفرنسية.
وفي فبراير 1958، توجه اللاعبون الجزائريون إلى تونس للمشاركة في دوري رياضي يحمل اسم جميلة بوحيرد، المناضلة الجزائرية، وقرر المنتخب المغربي التوجه بكامل تشكيلته للمشاركة في هذا الدوري الدولي أمام منتخب جبهة التحرير الجزائرية.
هذا القرار لم يكن سهلاً، حسب اليازغي، حيث تطلب موافقة السلطات المغربية والقصر الملكي آنذاك، وذلك في عهد رئيس الجامعة الملكية المغربية آنذاك، محمد اليزيدي، والرئيس الفعلي عمر بوستة، مشيرا إلى أن هذا القرار كان يتطلب موافقة سياسية، لأن المنتخب المغربي كان يمثل دولة المغرب ويرفع العلم المغربي في مواجهة منتخب غير معترف به من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم، وهو منتخب جبهة التحرير الجزائرية، مما سبب توترًا في العلاقات المغربية الفرنسية.
تجميد للعضوية وموقف تاريخي لمحمد الخامس
تسبب هذا الحدث في ردود فعل غاضبة من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، حيث رفع شكوى إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم، الذي قرر معاقبة المنتخب المغربي بالإيقاف لمدة سنتين بسبب مشاركته في ماي 1958 بتونس أمام منتخب جبهة التحرير الجزائرية.
وفي رواية منقولة عن الملك الراحل محمد الخامس، يقال إنه عندما تم إخباره بأن “الفيفا” ستحكم على المغرب بالإيقاف لمدة سنتين، قال: “إذا لم تكفهم السنتان، فليجعلوها أربع سنوات، نحن مع إخواننا الجزائريين”، كما أن المغرب لم يكتفِ بهذا الأمر، بل استضاف منتخب جبهة التحرير الجزائرية في سبع مدن مغربية، وهي الرباط، الدار البيضاء، مكناس، فاس، مراكش، وجدة، وطنجة.
وكان منتخب جبهة التحرير الجزائري قويًا، حيث تمكن من الفوز على فريق جهة طنجة بنتيجة 7-0، كما تم تكريم المنتخب الجزائري في المغرب بشكل كبير وغير مسبوق، حيث كانت المباريات تدر مداخيل تُمنح للمنتخب الجزائري بالإضافة إلى المكافآت التي يتلقاها من السلطات المغربية دعما لمساعي حصول الجزائر على الاستقلال.
من المفارقات المهمة، حسب اليازغي، أن منتخب جبهة التحرير الجزائري، رغم دعمه من الدول العربية سياسيًا، لم يجد نفس الحفاوة رياضيًا، فعلى سبيل المثال، لم يلعب في مصر، رغم دعمها الكبير للثورة الجزائرية، أي مباراة مع هذا المنتخب، وكذلك سوريا ودول عربية أخرى، كما أن الدول التي تجرأت على اللعب مع المنتخب الجزائري كانت من أوروبا الشرقية، وكانت المباريات تُجرى مع فرق عمالية أو مهنية.
أما المغرب، يؤكد اليازغي، فقد ضحى بعلاقاته مع فرنسا وبمنتخبه الوطني، ولم يهتم بالعقوبات التي فُرضت عليه، بل لعب بالمنتخب الوطني واستضاف المنتخب الجزائري بكل ترحاب، وبسبب هذا الموقف، حُرم المغرب من المشاركة في كأس إفريقيا لعام 1959 ومن تصفيات الألعاب الأولمبية لعام 1960، كل ذلك بسبب وقوف المغرب إلى جانب الجزائر رياضيًا وسياسيًا، وفق تعبيره.
والتزم المغرب بمساعدة الثورة الجزائرية منذ اندلاعها سنة 1954 دون حدود ولا شروط بتوفير الدعم المادي والسلاح، وعلى المستوى الرياضي كان المغرب داعما كبيرا في تأسيس الحركة الرياضية داخل الجزائر، حيث إن الملك الراحل الحسن الثاني وكان حينها وليا للعهد، ساهم بشكل قوي في تأسيس المنتخب الجزائري من خلال تشجيع المرحوم عبدالله السطاتي وكان حينها لاعبا محترفا في فرنسا، على تنفيذ عملية هروب اللاعبين الجزائريين المحترفين من فرنسا في 1958 والتحاقهم بصفوف جيش التحرير.
وعرفت البطولة آنذاك انسحاب المنتخب الوطني للجمهورية العربية المتحدة، خوفا من تهديدات «فيفا»، بعد أن قرر عدم اللعب، ولم يتراجع المغرب، عن دعم المنتخب الجزائري، رغم عقوبات “الفيفا”، ووجه له الدعوة للحضور إلى البلاد، وإجراء مباريات مع منتخبات المناطق المغربية، ويوم 13 نونبر 1958 وصل منتخب الثورة الجزائرية إلى الرباط وحظي باستقبال شعبي ورسمي كبير.
وتقابل منتخب الثورة يوم 18 نونبر من سنة 1958 مع منتخب منطقة الدار البيضاء، وحضر المباراة الملك الراحل محمد الخامس وجمهور واسع وكبير، وفي 21 نونبر تقابل مع منتخب منطقة الرباط وحضر المقابلة الأمير مولاي عبد الله والمطربة الجزائرية وردة، ثم أجرى مباريات أخرى مع منتخبات المناطق، وخلال تلك الجولة، تم جمع الأموال لدعم الثورة الجزائرية ومنتخبها.
كما يحكي الباحث في السياسات الرياضية أنه قبل الاستقلال، كان المغرب ينظم مباريات لجمع الأموال لصالح الطلبة الجزائريين في فاس، كما كان يجمع الأموال لصالح جرحى الحرب الجزائريين، وكان اللاعبون الجزائريون يلعبون في المغرب دون أن يدرك المغاربة أنهم جزائريون، لدرجة أن سكان وجدة لم يعرفوا أن بعض اللاعبين كانوا جزائريين إلا بعد استقلال الجزائر والتحاقهم ببلادهم.
وقال اليازغي تعليقا على هذا الحدث: “هذه التجربة أعتبرها درسًا مهمًا، ولو أن الإخوة الجزائريين تمعنوا فيها ودرسوها بعناية، ربما كانوا سيدركون أن هذا الخلاف أو التصعيد الذي يثيرونه ضد المغرب لا مبرر له على الإطلاق. فقد كانت هذه التجربة كانت رائدة وفريدة ولم تكررها أي دولة أخرى، وكان للمغرب دور كبير جدًا في نجاحها، ورغم أنها تجربة جزائرية، فإن المغرب لعب دورًا كبيرًا في تحقيق نجاحها.
وتابع: “هذا الحدث أرويه وأشعر بمرارة حين أتحدث عنه، لأن ما وقع يظهر كيف أن المغرب، سياسيًا ورياضيًا، وقف إلى جانب الجزائر، وهذها الحدث يكفي وحده لإظهار مدى التضحيات التي قدمها المغرب من أجل الجزائر، دون التطرق لباقي الأحداث والتضحيات الأخرى التي قدمها المغرب قبل استقلال الجزائر”.