عاشت لجنة المالية بمجلس النواب، اليوم الإثنين، واحدة من أكثر الجلسات توترًا في الولاية البرلمانية الحالية، بعد أن تحول اجتماعها لمناقشة وضعية الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إلى ساحة مواجهة بين الأغلبية والمعارضة، ما أدى إلى تأجيله إلى موعد لاحق.
وبدأت الأزمة عندما اتهمت المعارضة رئاسة اللجنة بخرق الدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، بسبب برمجة موضوع اقترحته فرق الأغلبية، بينما لم يتم إدراج طلبات قدمتها المعارضة منذ سنة 2021؛ هذا الوضع فجر موجة غضب، حيث اعتبر نواب المعارضة أن اللجنة أصبحت تعمل وفق أجندة الأغلبية فقط، متجاهلة الحقوق الدستورية للفرق الأخرى.
ولم يكتف رشيد حموني، رئيس فريق التقدم والاشتراكية، بالتنديد بل انفعل بشدة داخل الجلسة، رافعا صوته ومؤكدًا: “والله لا داز هاد الاجتماع”، معبرا عن رفضه التام لطريقة تدبير اللجنة؛ كما أضاف أنه لم يُعقد أي اجتماع للجنة المالية منذ المصادقة على قانون المالية لسنة 2025، متسائلًا عن الجدوى من وجود لجنة لا تمارس مهامها الرقابية.
وقد أرجع بعض نواب المعارضة تصاعد الغضب الشعبي، بما في ذلك ظهور أشخاص مثل “عبد الإله مول الحوت”، إلى غياب الدور الرقابي للبرلمان، معتبرين أن هذا التجاهل الحكومي لمطالب المعارضة يساهم في فقدان المؤسسة التشريعية لمصداقيتها أمام الرأي العام.
ورغم محاولات رئيسة اللجنة، زينة شاهين، احتواء الوضع عبر اقتراح رفع الجلسة لمدة 15 دقيقة لعقد اجتماع لمكتب اللجنة، إلا أن المعارضة تمسكت بمطلبها الرئيسي: تأجيل الاجتماع إلى حين برمجة جميع المواضيع العالقة، بدل الاقتصار على نقطة واحدة تهم الأغلبية.
في المقابل، دافعت فرق الأغلبية عن موقفها، مؤكدة أن الحكومة استجابت لطلب الأغلبية بعقد الاجتماع وفق المساطر القانونية. محمد شوكي، رئيس فريق الأحرار، دعا الحكومة إلى “التفاعل بسرعة أكبر مع الطلبات البرلمانية”، لكنه انتقد في نفس الوقت طريقة تدبير اللجنة، مؤكدًا أن “جدول الأعمال يجب أن يكون شاملاً لكل الطلبات المتعلقة بنفس الموضوع، بغض النظر عن الجهة التي قدمتها”.
ويعكس هذا التأجيل، وإن بدا قرارًا إداريًا في ظاهره، صراعًا أعمق حول توازن السلطة داخل البرلمان، حيث ترى المعارضة أن استمرار هذا النهج سيجعل المجلس مؤسسة صورية لا تمارس دورها الرقابي كما ينبغي.
ويبدو أن المعارضة، رغم انتماء مكوناتها لأطياف سياسية مختلفة، قد نجحت في فرض نفسها كقوة ضغط حقيقية داخل اللجنة، مستفيدة من غطاء الدستور والقانون الداخلي للمجلس؛ فرفضها عقد الاجتماع وفق الأجندة المحددة من قبل الأغلبية أجبر رئاسة اللجنة على التراجع وتأجيله.