طه ياسين
و أنت تقرأ في متون أهم التقارير المصاحبة لإعداد مشروع قانون المالية للسنة ، تعترضك جملة أصبحت مألوفة لكل متتبع و مهتم بالشأن المالي و الإقتصادي للبلد : يندرج مشروع قانون المالية للسنة (×) في سياق اقتصادي و مالي إستثنائي ..
و الواقع أن الإستثناء أصبح قاعدة خلال السنوات الأخيرة ؛ بالنظر إلى المستجدات و المتغيرات الإجتماعية و الإقتصادية و الجيو-سياسية المتسارعة . و التي تحتم على الحكومات وضع تكهنات و فرضيات ممكنة في إعداد وثيقة قانونية و تقنية مهمة للغاية.
و لما كان قانون المالية للسنة باعتباره وثيقة مالية تحدد و تهدف لإدارة المالية العامة للدولة بما يتماشى مع مداخيلها (الموارد) و مصاريفها (النفقات). فهو يحدد بشكل كبير توجه السياسات العامة للدولة في المجال الإقتصادي و الإجتماعي و الإستثمار .. و الغريب في الأمر ، و رغم الوقت الذي ياخده مشروع القانون في التحضير، بدءا ب المذكرة التوجيهية للرئيس الحكومة إلى كل المصالح المركزية في شهر مارس من كل سنة ، مرورا بغرفتي البرلمان للمناقشة، تم في الأخير دخوله حيز التنفيذ بعد نشره بالجريدة الرسمية . إلا أنه لا يلقى نفس الزخم من الجدية و الاهتمام من قبل العامة من الناس.
و لكل سائل عن المقصود ب قانون المالية “يحدد قانون المالية، بالنسبة لكل سنة مالية، طبيعة ومبلغ وتخصيص مجموع موارد وتكاليف الدولة وكذا التوازن الميزانياتي والمالي الناتج عنها، وتراعى في ذلك الظرفية الاقتصادية والاجتماعية عند إعداد قانون المالية، وكذا أهداف ونتائج البرامج التي حددها هذا القانون “ هكذا جاءت المادة الأولى من القانون التنظيمي رقم 13-130 المتعلف بقانون المالية.
و الحال أن المواطن البسيط ؛ و الذي يشكل فئة كبيرة من الشعب ، لا يفقه المضامين التقنية للمشروع قانون المالية. حتى و إن كانت الوزارة الوصية تعمل على تبسيط المفاهيم و الأهداف المتوخاة منه . إلا الأمر يضل مستعصيا عليه .
لكنه لا يستعصي عليه الشعور بأمور تمس حياته المعيش ؛ سواء كانت بالسلب أو الإيجاب : كإ رتفاع الأسعار؛ الولوجية للمرافق، الولوج للسوق الشغل ..
و تجدر الإشارة أنه في الوقت الذي تقرأ لهذه الأسطر حول قانون المالية. فإن مشروع قانون المالية للسنة 2025 لا زال يعيش مخاضه العسير بين أسوار قبتي البرلمان. و الذي سيتسنى لنا عرض أهم مستجداته في ما يلي :
إذ يعرض المشروع إرساء و تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية مع الحفاظ على التوازن المالي و الإقتصادي . و لعل أهم لبناته؛ المجال الضريبي ، و كدا مجال الحماية الاجتماعية.
1_تعزيز ركائز الدولة الاجتماعية :
حيت إن مواطن اليوم أصبح أكثر إلماما بشؤون التدبير العمومي و خاصة منها تلك التي تمس معيشه اليومي و بلغة الأرقام؛ فقد ارتفعت الميزانية المخصصة للمجال الصحي في غضون السنوات الأخيرة حيث أصبحت تفدر بما يناهز 30.7 مليار درهم سنة 2024 عوض 28 مليار درهم التي كانت موضوع ميزانية سنة 2023. و هي مرشحة للإرتفاع إلى مايزيد عن 32 مليار في مشروع قانون المالية للسنة 2025 .
أما في ما يخص قطاع التعليم فقد خصص في فانون المالية للسنة 2023 ما يقارب 68 مليار درهم، عوض 61.5 مليار درهم موضوع ميزانية المرصودة سنة 2022. في وقت خصصت الحكومة للقطاع التربية و التعليم في مشروع قانون المالية للسنة المقبلة 85.6 مليار درهم.
و لعل القارئ لهذه الأرقام يكاد يجزم بالمقاربة الاجتماعية المنشودة ، و إن كانت في رأي الملاحظين للشأن المالي و خاصة أطراف المعارضة من داخل البرلمان، تظل هزيلة و غير كافية . غير أن مواطن اليوم لا تهمه كل هاته الأرقام بقدر ما يهمه ، قرب المرافق الصحية و التعليمية و جودتها ..
من جهة أخرى تهدف الحكومة إلى تعميم نظام الحماية الاجتماعية ليشمل فئات جديدة من المواطنين، وتطوير برامج لدعم الفئات الهشة. يشمل المشروع تخصيص استثمارات ضخمة في البنية التحتية لتحفيز النمو الاقتصادي.
2_ الإصلاح الضريبي :
تواصل الحكومة العمل على تحسين إراداتها و أجرأة الإصلاحات الجبائية و ذلك من خلال توسيع الوعاء الضريبي و مكافحة التهرب الضريبي ؛ تفعيلا للمقتضيات القانون إطار المتعلق بالاصلاح الجبائي رقم 69.19 حيث أصبحت الحكومة اليوم بين سندان ضمان استدامة المالية العمومية و مطرقة تخفيض العبئ الضريبي على الملزمين. بالشكل الذي يكفل عدالة جبائية كما جاء بنص الدستور : ” على الجميع أن يتحمل، كل على قدر استطاعته، التكاليف العمومية، التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها، وفق الإجراءات المنصوص عليها في هذا الدستور.” الفصل 39 .
3_قوانين المالية .. دروس للعبرة
إن التحضير للمشاريع قوانين المالية تعد لحظة فارقة تحكم بشكل كبير المسار و الزمن التنموي للبلاد. مما يستدعي رؤية متبصرة في إعداد و تنزيل برامج هيكلية بعيدة المدى؛ عوض ما يمكن أن نسميه “روتوشات ” لا تعدو أن تكون تكلفة في مضمونها ، يؤدي ضريبتها مواطن اليوم .
و الحال أن الاقتصاد الوطني لازال يعتمد بشكل كبير على القطاع الفلاحي ، و ما تجود به السماء من أمطار. في حين أنه يجب التوجه إلى قطاعات ذات قيمة مضافة ، و استقطاب شركات عالمية يكون الهدف الأساس نقل التكنولوجيا بالشكل الذي يضمن للشركات الصغيرة و المتوسطة المحلية البروز و الخروج إلى السوق الدولي. و هو الأمر الذي يستوجب مضاعفة الجهود للتحسين مناخ الأعمال ؛ و الإرتقاء بالمغرب في مصاف الدول ذات ظروف استثمار مناسبة (منظومة أمنية ، قضائية و جبائية .. مؤهلة ).
في باب الاستثمار . فالملاحظ أن الحكومة تجعل من القطاع الخاص فاعلا أساسيا، و ذلك من خلال تشجيع الشراكات بين القطاعين العام و الخاص ؛ في إطار تمويل مشاريع البنية التحتية. و هو ما يثمنه ميثاق الاستثمار الجديد؛ ضمن رؤية مفادها أن الدولة لا يمكن لوحدها السهر على تمويل؛ تتبع ؛ و مراقبة المشاريع الكبرى .
ختاما ، و كما أسلفنا القول؛ فإن إعداد مشاريع قوانين المالية لحظات فارقة ، و في غاية الأهمية ، كما هو الأمر بالنسبة للقوانين التصفية ؛ و التي يجب أن تلقى ما تستحقه من النقاش الجاد (خاصة بين المهتمين و التقنين في المجال).
ذلك أن الهدف الأول و الأخير ؛ هو تحسين معيش المواطن و الدفع بعجلة التنمية . فكل درهم مرصود يبقى المواطن هو المقصود.