وسط أجواء مشحونة بالتوتر والغضب، تجمّع مئات العمال والمستخدمين المغاربة، اليوم الأحد، أمام مقر البرلمان في الرباط، ليعلنوا رفضهم القاطع لمشروع قانون جديد حول تنظيم الإضراب.
بملامح تعكس الإصرار على حماية مكتسباتهم وحقوقهم، علت أصواتهم بهتافات تُندّد بمحاولة الحكومة فرض قيود صارمة على حقهم في الإضراب، ذلك الحق الذي يعتبرونه “سلاحهم الأخير” في الدفاع عن حقوقهم وانتزاع مكتسباتهم.
وقد جاءت هذه الوقفة بدعوة من “الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد”، وهي جبهة واسعة تضمّ عدّة نقابات من القطاعين العام والخاص، التي أكدت رفضها لمشروع القانون محذّرة من عواقب تمريره
وردد المتظاهرون شعارات تعبر عن الغضب والاستياء، مثل “لا لا للقوانين الجائرة”، و”الإضراب حق كوني ودستوري يجب الدفاع عنه”، مؤكدين أن “الإضراب خط أحمر” لا يجوز المساس به.
وتطالب النقابات الحكومة بإعادة النظر في هذا المشروع الذي يرونه تضييقًا على الحقوق، داعية إلى الحوار مع الشركاء الاجتماعيين للتوصل إلى صيغة تضمن حقوق العمال دون قيد أو شرط.
وعبّر العديد من المشاركين عن خشيتهم من أن يؤدي القانون الجديد إلى سلبهم أحد أهم الوسائل لتحقيق مطالبهم، إذ يرون فيه محاولة من الحكومة لـ”تكبيل” الحركات الاحتجاجية وإضعاف النقابات التي تمثل صوتهم.
الجبهة والنقابات المتحالفة حذرت من أن المصادقة على مشروع قانون الإضراب قد تؤدي إلى توترات اجتماعية غير محمودة، مشيرةً إلى أن الحكومة يجب أن تسعى لتوافق واسع مع القوى العمالية بدلًا من تبني سياسات قد تُفاقم الأوضاع وتزيد من حدة الاحتقان.
وسبق أن أكد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات، مؤخرا، خلال عرضه لإنجازات الوزارة تزامنًا مع مناقشة الميزانية الفرعية، أن الوزارة توافقت مع آراء المؤسسات الدستورية بخصوص مشروع قانون الإضراب، مشيرًا إلى أن الهدف هو إصدار قانون تنظيمي متوازن يحترم الدستور وحقوق الإنسان.
وأوضح الوزير أنه أبلغ النقابات بهذا الموقف، مضيفًا أن المشروع شهد مشاورات امتدت لأكثر من 22 شهرًا تخللتها نقاشات معمقة وصعبة، لكن ما تزال هناك نقاط خلافية جوهرية تعيق الوصول إلى توافق شامل.
وشدد ذات المتحدث، أن الحكومة مستعدة لتتجاوب مع مقترحات النقابات بشرط أن تكون عملية، مؤكدا أن الوزارة الوصية عن القطاع تهمها مصلحة الطبقة الشغيلة.
وتجدر الإشارة إلى أن إحدى القضايا المحورية التي أثارت جدلًا واسعًا هي مسألة الاقتطاع من أجور العمال خلال فترات الإضراب.
فرغم تأكيد الحكومة أن مبدأ “الأجر مقابل العمل” هو الذي يحكم هذا الإجراء، إلا أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان رأى في هذه القاعدة تعديًا على حق الإضراب، خاصة في حالات يكون فيها العمال مجبرين على الإضراب بسبب إخلالات من قبل المشغل، كالتأخير في دفع الأجور أو التضييق على الحريات النقابية.
وطالب المجلس بضرورة تحقيق توازن معقول في هذه الاقتطاعات بحيث تتناسب مع مدة الإضراب وأسبابه، إلى جانب تطبيق استثناءات تضمن حق العمال في التعبير عن احتجاجاتهم دون المساس بحقوقهم المادية الأساسية.
وعلى الجانب الآخر، عبرت النقابات الكبرى، وخاصة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، عن رفضها القاطع لمشروع القانون، مشيرة إلى أنه لم يخضع لمشاورات حقيقية مع الأطراف الاجتماعية، ما يجعله مخالفًا لروح الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحرية العمل النقابي.
وترى هذه النقابات أن هذا القانون قد يتحول إلى أداة لتقييد حق الإضراب، بدلًا من أن يكون وسيلة لتنظيمه وحمايته.
ويأتي موقف النقابات مدعومًا بانتقادات لاذعة من المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي اعتبر أن النص الحالي يغلب عليه الطابع الزجري، خاصة أن 12 مادة من أصل 49 في المشروع تتناول العقوبات.
وأشار المجلس إلى أن هذه المقاربة تجعل من الصعب على العمال ممارسة حقهم في الإضراب، ودعا إلى إعادة النظر في بعض المفاهيم الأساسية، بما في ذلك تعريف الإضراب نفسه، حتى يتسنى لجميع الفئات المهنية ممارسة هذا الحق الدستوري، بما في ذلك العاملات والعمال المنزليون والمهن الحرة.
وتواجه الحكومة في هذا السياق تحديات كبيرة لتحقيق توازن بين حقوق العمال ومتطلبات الإنتاجية الاقتصادية.
وتبقى الأنظار معلقة على ما ستسفر عنه المناقشات القادمة، وما إذا كانت الحكومة ستستجيب لمطالب النقابات وتعمل على مراجعة بعض مواد المشروع، أو ستتمسك بموقفها، مما قد يدفع النقابات إلى تصعيد احتجاجاتها.