سعيد الوردي
يبدو أن أزمة السيناريو في الدراما المغربية قد بلغت ذروتها، لدرجة أن بعض الأعمال لم تعد تكتفي بالاستلهام من الخارج، بل صارت تُستورد بالكامل ثم تُعاد تغليفها بملصق محلي.
مسلسل “الدم المشروك”، الذي تبثه القناة الثانية خلال شهر رمضان، يقدم نموذجًا صارخًا لهذا التوجه، إذ تكاد كل عناصره – من القصة إلى الأزياء إلى الجو العام – تصرخ بأنه دراما صعيدية مصرية، رغم محاولات “مغربته”.
سيناريو مستورد ومحاولة فاشلة للتمويه
بحسب المعطيات المتداولة، فإن سيناريو “الدم المشروك” من تأليف الكاتبة المصرية هاجر إسماعيل، وقد تم استقدامه من مصر وإعادة تكييفه ليناسب البيئة المغربية.
لكن التكييف لم يكن سوى عملية سطحية، إذ بقيت روح العمل الأصلية واضحة، بدءًا من الأزياء القاتمة التي تذكّر بأجواء الصعيد المصري، وصولًا إلى النبرة الدرامية الثقيلة التي تبدو بعيدة عن النمط السائد في الدراما المغربية.
غياب الأصالة والإبداع
السؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل أصبح المغرب عاجزًا عن إنتاج سيناريوهات محلية قوية تعكس قضاياه الاجتماعية وهويته الثقافية؟ المغرب بلد غني بالتاريخ والتراث والقصص الملهمة، فما الذي يدفع منتجيه إلى اللجوء إلى سيناريوهات مستوردة؟ هل هو استسهال من قبل شركات الإنتاج أم افتقار حقيقي للكتّاب القادرين على تقديم أعمال تنافسية؟
لا يمكن إنكار أن أزمة السيناريو موجودة في الساحة الفنية المغربية، حيث تتكرر نفس القصص المستهلكة، وتغيب الحبكة المحكمة والحوارات العميقة. لكن الحل لا يكمن في الاستيراد، بل في الاستثمار في كتّاب جدد، وفتح المجال أمام الأصوات الإبداعية الشابة، بدل اللجوء إلى “دراما التهريب” التي تفقد العمل هويته الأصلية.
المتلقي ليس غافلًا
المفارقة الكبرى أن الجمهور المغربي أصبح واعيًا بهذه الأساليب، ولم يعد من السهل خداعه. المشاهدون يدركون جيدًا أن “الدم المشروك” ليس عملاً مغربيًا خالصًا، بل مجرد دراما مصرية بنكهة مغربية مصطنعة.
وبدل أن ينجذب الجمهور لهذا “المنتج الفني الهجين”، فإنه يشعر بالغربة تجاهه، لأن الهوية الدرامية الحقيقية لا تُصنع بالتجميل السطحي، بل بالعمق والصدق في الطرح.
دراما بلا هوية؟
ما حدث مع “الدم المشروك” ليس مجرد حالة معزولة، بل هو انعكاس لمشكلة أعمق تتعلق بإبداع الدراما المغربية. إذا استمر هذا النهج، فإننا سنصل إلى مرحلة تصبح فيها المسلسلات المغربية مجرد إعادة تدوير لأعمال أجنبية، تُصنَّع في الخارج ثم تُلبس عباءة مغربية زائفة.
فهل هذا هو المصير الذي نريده للفن المغربي؟ أم أن الوقت قد حان لثورة حقيقية في الكتابة الدرامية، تستعيد الأصالة وتعطي للمبدعين المغاربة الفرصة لإنتاج أعمال تليق بالجمهور المحلي؟