أصدرت النيابة العامة بالقنيطرة، اليوم الأحد، قرارًا مثيرًا يقضي بإيداع خمسة مستشارين جماعيين السجن، بتهم تتعلق بالرشوة، في خطوة من شأنها أن تثير ردود فعل واسعة وتطرح أسئلة حول شفافية العملية الانتخابية.
وتأتي هذه الاعتقالات في وقت حساس بعد عزل الرئيس السابق لمجلس بلدية القنيطرة بسبب قضايا تتعلق بالفساد وسوء التدبير.
المستشارون الموقوفون ينتمون لأحزاب سياسية مختلفة، مما يزيد من أهمية هذا القرار الذي يتزامن مع اقتراب موعد انتخابات رئيس مجلس بلدية القنيطرة بعد عزل الرئيس السابق أنس البوعناني.
ويأتي هذا القرار عقب تحقيقات شملت كلاً من محمد تالموست عن حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية، وعبد الله مبيريك عن حزب الاتحاد المغربي الديمقراطي، ونجلاء الدهاجي وخيرة النهاري وبشرى البوحديوي عن حزب التجمع الوطني للأحرار وحزب التقدم والاشتراكية.
وقد تم توزيع الموقوفين بين سجون القنيطرة وسوق أربعاء الغرب، في انتظار انتهاء التحقيقات وتحديد حجم تورطهم في قضايا تتعلق بالرشوة وتقديم العطايا بهدف التأثير على العملية الانتخابية.
ووفقًا لما كشف عنه محمد الغلوسي، رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، عبر حسابه على الفيسبوك، فإن هذه الاعتقالات تأتي بعد تصاعد شبهات فساد تحوم حول المستشارين، خاصة فيما يتعلق بتقديم رشاوى ووعود انتخابية في إطار تحصيل الأصوات لصالح مرشح معين لرئاسة المجلس البلدي.
وذكّر الغلوسي بأن هذا القرار يتزامن مع قرب انتهاء آجال تقديم الترشيحات لرئاسة المجلس يوم الثلاثاء القادم، وذلك بعد أن أصدرت المحكمة الإدارية قرارًا سابقًا بعزل الرئيس البوعناني إثر اختلالات مالية وتدبيرية بمجلس الجماعة.
وتعيش مدينة القنيطرة على وقع سلسلة من الفضائح السياسية والقضائية، حيث كانت قد شهدت خلال الولاية الحالية للمجلس فضائح فساد، شملت تهمًا متعلقة بتسلم بعض المستشارين كميات من الوقود من شركة النظافة المتعاقدة مع المجلس، مما أدى إلى عزلهم.
كما سبق أن تم توقيف مستشار آخر بتهم تتعلق بالنصب والاحتيال في قضايا هجرة غير شرعية، وهو ما يعكس حجم التعقيدات التي تواجه مجلس جماعة القنيطرة في الفترة الأخيرة.
وتعالت دعوات من نشطاء حقوقيين ومنظمات مكافحة الفساد بضرورة توسيع دائرة التحقيقات، وعدم الاكتفاء بعزل المتورطين في شبهات الفساد، إذ يُطالب العديد منهم وزارة الداخلية بإحالة نتائج تقارير الرقابة المتعلقة بجماعة القنيطرة إلى النيابة العامة المختصة بقسم جرائم الأموال بالرباط، لتفعيل المساءلة القضائية بحق كل من تورط في قضايا اختلاس وتبديد المال العام.
كما شددوا على أهمية مراقبة الثروات المتراكمة بشكل غير مشروع لدى بعض المسؤولين المحليين، والعمل على عقل ممتلكاتهم ومصادرتها قضائيًا، حيث يؤكد سكان المدينة أن هناك مسؤولين معروفين أصبحوا يتمتعون بثروات هائلة على نحو يثير التساؤل، لا سيما بعد استغلالهم لمناصبهم العامة لتحقيق مكاسب شخصية.
ويُعد قرار إيداع المستشارين الخمسة السجن مؤشرًا على عزم القضاء على محاربة الفساد الانتخابي، والذي يمثل تهديدًا لشفافية العملية السياسية ونزاهتها.
ومع تصاعد الأصوات المطالبة بمزيد من الحزم من جانب القضاء والسلطات المعنية، يظل الرهان الأكبر هو في تجسيد إرادة سياسية حقيقية لمواجهة تغوّل الفساد الذي بات يهدد الدولة والمجتمع على حد سواء.
وفي سياق متصل، جاء عزل الرئيس البوعناني ونائبيه في شتنبر الماضي بعد دعوى قضائية رفعها عامل إقليم القنيطرة ضدهم، والتي شملت اتهامات خطيرة تتعلق بإدارتهم للشأن المحلي، وخاصة قسم التعمير.
وقد طالبت الدعوى بعزل المسؤولين الثلاثة من مناصبهم، وهو ما دفع المحكمة الإدارية بالرباط إلى إصدار حكم يقضي بعزلهم من مناصبهم وتكليف القضاء بمتابعة التحقيقات.