باعتبارنا أمة موحدة، ولله الحمد والمنة، نصطف كمغاربة دائما وأبدا خلف الملك محمد السادس، رئيس الدولة وراعي مصالحها الداخلية والخارجية. لهذا، فقد لخَّص جلالته مفخرة الانتماء إلى حظيرة الوطن بجملته البليغة “ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم”، خلال توجيهه خطابا ساميا إلى الأمة بمناسبة الذكرى ال69 لثورة الملك والشعب. انتهى الكلام.
وها نحن اليوم نرى بلاغة ملك تتجسد على أرض الواقع. وفرنسا، بما لها من قوة ومكانة داخل المنتظم الأوروبي، وما تتكئ عليه من ماضي استعماري زرع في نفوس صُناع قرارها منطق الاستعلاء والمُكوث داخل الأبراج العالية وقت مخاطبة المستعمرات الإفريقية سابقا، قد أعجزتها صرامة المغرب وعدم مزايدته على أرضه. بدلا من ذاك، ذهب المغرب أبعد ما يكون في سعيه لحماية حقه التاريخي حينما لفت انتباه الشركاء بالقول ضمنيا: “الأرض أسبق وأبقى من الاقتصاد”. وهنا أستحضر قولا دارجا أجده مرادفا للوطنية الحقة “الإنسان كيموت على بلادو ولا على ولادو”.
وبناء على ما قيل أعلاه، عندما يَئِست l’Hexagone من لعبة الكر والفر واستوعبت أنها تتعامل مع دولة سيادية لا مع “مقاطعة فرنسية” كما هو الحال في بلاد “هك”، استجمع ساكن قصر الإليزيه السيد إيمانويل ماكرون عدد من الساسة ونخبة من شخصيات البلاد واستقل الطائرة كي يحط الرحال بالقصر الملكي بالرباط. الدار الكبيرة كما هي في عُرف المغاربة مفتوحة في وجه الجميع، شريطة أن لا نُكرم فيها الضيف ثم يُقابل كرمنا بالجحود. ومن هنا تنطلق حكاية فرنسا الجديدة وسر انتعاش اقتصادها بالعودة إلى إفريقيا مجددا !!!
فماذا ستربح فرنسا إذن من الاستثمارات الموقعة، منذ أيام، أمام الملك محمد السادس ورئيسها إيمانويل ماكرون؟
قبيل الإجابة على هذا السؤال الفضفاض، يتوجب علينا التوقف لبرهة عند تلك الاستثمارات التي ستنعش، لا محالة، الخزينة الفرنسية.
لقد تم توقيع اتفاقيات استثمارية تتجاوز قيمتها 10 مليارات دولار تتوزع بين الطاقات النظيفة، لاسيما الهيدروجين الأخضر، والبحث العلمي والذكاء الاصطناعي والثقافة بمختلف روافدها والأمن السيبراني، ومجال الطيران ثم النقل السككي، إذ سبق لفرنسا أن فازت بصفقة المشاركة في إنجاز مشروع TGV وهاهي تعود اليوم لتوسعته.
هذا الزخم من الاستثمارات ستحظى الأقاليم الجنوبية بنصيب منه، وهو ما حث عليه إيمانويل ماكرون المستثمرين الفرنسيين حينما شارك في لقاء اقتصادي جمع بين المقاولات المغربية ونظيرتها الفرنسية بالجامعة الدولية بالرباط، من تنظيم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، معتبرا أن قرار بعض الشركات الفرنسية الخروج من القارة الإفريقية في السنوات الأخيرة كان خطأ.
وهي التصريحات التي توضح بجلاء التبعية الاقتصادية التي تعيشها فرنسا أمس واليوم وغدا في تعاملاتها مع إفريقيا. “نزرع كي نأكل وكي يأكلون هم كذلك”. ولعل جولة صغيرة في الأسواق الفرنسية تكفي لمعاينة المستهلكين هناك يُقبلون بثقة على الإنتاج المغربي، وإن توافرت أمامهم خيارات أخرى قادمة من بقع مختلفة غير المملكة.
ومن كلا الاتجاهين، فإن فرنسا تستفيد من علاقاتها مع المغرب. فرنسا المستثمرة في المغرب لا تتفوق في شيء عن فرنسا المستوردة من المغرب.
وبلغة الأرقام، أفاد التقرير السنوي حول ميزان المدفوعات ووضع الاستثمار الدولي للمغرب برسم سنة 2023 بأن فرنسا جاءت في صدارة المستثمرين بالمملكة، مبرزا أن صافي تدفق هذه الاستثمارات بلغ 6.8 ملايير درهم، مقابل 3.8 ملايير درهم في سنة 2022، أي بارتفاع بلغت نسبته 79.5 في المائة.
وتجد الأرقام التي كشف عنها مكتب الصرف حول الاستثمارات الفرنسية في المغرب أهميتها عند وضعها في سياقها العام، إذ يمثل تدفق هذه الاستثمارات حصة قدرها 61.4 في المائة من صافي التدفق الإجمالي للاستثمارات الأجنبية المباشرة.
ما الذي خسره فؤاد عبد المومني والطوابرية باعتراف فرنسا بمغربية الصحراء وإجراء زيارة دولة للمغرب؟
ولنُدقق التساؤل أكثر، ما الذي بقي كي يخسره فؤاد عبد المومني وهو يكافح كي يجر المغاربة في أذياله نحو دولته اليسارية الجديدة، التي يحلم بإقامتها على أنقاض المغرب ؟!
هل تلقى راعي “الأمانة” جوابا شافيا على رسالته المفتوحة الموجهة إلى رئيس الجمهورية الفرنسية يسأله حشر أنفه في شؤون المغرب وتقريعه لما لا، فكانت الإجابة صادمة بتوقيع الملك محمد السادس وماكرون لإعلان الشراكة الاستثنائية، التي من بين ما تُلزم به الطرفين هو عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلا البلدين واختيارات السياسة الخارجية ثم المساواة في السيادة.
وكيف أمكن لرئيس جمهورية تعرض هاتفه للتجسس-فرضا- عبر برنامج بيغاسوس أن يُعبئ الدولة بمختلف كوادرها لإجراء زيارة دولة تليق بمقام شريك اقتصادي كلاسيكي من طينة المغرب يقال أنه “متجسس”، وفق الرواية المومنية المستمدة من “قالولي بعض المنظمات” وكأن الكلام المُلْقَى على عواهنه يخص سِجال نِسوة الحارة من تكون الواشية بينهن، وليس التصنت باعتباره تهمة خطيرة لم يتوصل تقرير لجنة التحقيق في برامج التجسس التابعة لبرلمان الإتحاد الأوربي بأية أدلة تثبت الواقعة، إلا فؤاد عبد المومني ورفاقه ممن يُخَيَّلُ لهم أنهم يقتنصون المعلومة من “فم سبع”.
لقد استوعبنا اليوم كمواطنين أي نوعية من دُعاة “النشاط” الحقوقي يعيشون بيننا. إنهم ممن “كيفرقو لغى في لحومة رفقة السعدية خبار السوق” التي لا تهتم لأي منهاج علمي أو معرفي دقيق لاستجلاء الحقائق واستنباط الخلاصات، لأن أي خطوة في هذا الاتجاه من شأنها أن تفضح زيف ادعاءات الطوابرية. وعليه، يبقى وسم “قالولي بعض المنظمات أنني مستهدف” دليل صالح لاستعراض العضلات أمام الكاميرات.
وقياسا على ما سبق، نقول لفؤاد عبد المومني، اليوم الملعب ملعبك يا بطل، إما أن تُسجل في مرمى المغرب أو تُعيد التسجيل في مرماك كما فعلت منذ بداية المباراة. وتذكرها جيدا: عند الامتحان يُعز المرء أو يُهان !!!