DR
مدة القراءة: 4′
تعتبر فرنسا، مهد إعلان حقوق الإنسان، نفسها نموذجا عالميا، لكنها تستثني جزءا من مواطناتها. إن إصرارها على منع الحجاب في الرياضة يكشف كيف تطبّق مبادئها الإنسانية بانتقائية. تحت غطاء الحياد والمساواة، لا تحمي الدولة في الواقع سوى رؤية ضيقة للعلمانية، ما يؤدي إلى تمييز معلن.
لسنوات، أثارت هذه السياسة انتقادات دولية حادة. ففي أكتوبر 2024، وصف خبراء الأمم المتحدة حظر الحجاب في الرياضة بأنه “تمييز” ويتعارض مع الحريات الأساسية، منتقدين فرنسا لعدم تقديم مبررات قانونية واضحة لهذه القيود. ورغم هذه التحذيرات، تواصل الحكومة إضفاء الطابع المؤسساتي على هذا الإقصاء شيئا فشيئا.
تتولى الاتحادات الرياضية المهمة. فقد حظر كل من الاتحاد الفرنسي لكرة القدم والاتحاد الفرنسي للركبي الحجاب في مسابقاتهما. ففي يناير الماضي، منع الاتحاد الفرنسي للركبي الرموز الدينية الظاهرة، مما حال دون استمرار لاعبات نادي “سان دوني للركبي 93” المحجبات في ممارسة شغفهن. ويأتي هذا القرار امتدادا لقانون 2021، الذي يتيح للاتحادات فرض حياد ديني صارم.
لكن الحملة لم تتوقف عند هذا الحد. ففي فبراير 2025، ناقش مجلس الشيوخ مشروع قانون يهدف إلى حظر جميع الرموز الدينية في الرياضة بشكل صريح. رسميا، الهدف هو “إزالة الغموض القانوني”. لكن في الواقع، الغاية واضحة: منع الرياضيات المحجبات بشكل نهائي من الوصول إلى المسابقات رفيعة المستوى.
فوضى حكومية
أدى هذا التصعيد الأيديولوجي إلى انقسام حتى داخل الحكومة نفسها. فقد أعربت ماري بارساك، الوزيرة المنتدبة للرياضة، علنا عن معارضتها لهذا الحظر الشامل، قائلة: “لا يجب إقصاء النساء من الرياضة”، مؤكدة أن الرياضة يجب أن تكون مساحة حرية وتمكين. وقد انضمت إليها وزيرة التربية الوطنية إليزابيث بورن. لكن الوزيرتين واجهتا هجوما من جيرالد دارمانان، وزير العدل، وبرونو روتايو، وزير الداخلية، وكلاهما من المدافعين المتشددين عن الحظر التام باسم تفسير صارم للعلمانية.
نعم، أريد حظر جميع الرموز الدينية، بما في ذلك ارتداء الحجاب، بشكل دائم في المسابقات الرياضية. pic.twitter.com/KVWak8d936
— Bruno Retailleau (@BrunoRetailleau) March 19, 2025
تكشف هذه الفوضى الحكومية عن المأزق الأيديولوجي الذي تجد فرنسا نفسها فيه. فهل ينبغي الدفاع عن علمانية شاملة تسمح لجميع النساء بممارسة الرياضة، أم فرض علمانية قسرية تُقصيهن باسم رؤية متشددة؟ حاليا، يسود الخيار الثاني، متجاهلا مبادئ الحرية والمساواة والأخوة التي تزعم فرنسا تمثيلها.
الدولة على مقاعد الاحتياط
بعد الحجاب، أصبحت مسألة الاستراحة للاعبي كرة القدم الصائمين قضية دولة جديدة. يتكرر الجدل كل عام: هل يُسمح للاعبين المسلمين بوقف اللعب لفترة وجيزة لترطيب أجسادهم بعد غروب الشمس خلال شهر رمضان؟ في فرنسا، تم اتخاذ قرار بعدم السماح بذلك.
حسم الاتحاد الفرنسي لكرة القدم المسألة في 2023 برفضه هذه التوقفات، على عكس بطولات أوروبية أخرى مثل الدوري الإنجليزي الممتاز والبوندسليغا الألمانية، اللتين تبنتا نهجا أكثر براغماتية. لكن ما كان يمكن أن يبقى مجرد قرار رياضي تحول إلى قضية سياسية، تعكس هوسا فرنسيا بتنظيم أدق تفاصيل الممارسة الرياضية، حتى لو أدى ذلك إلى خلق مشكلات لم تكن موجودة أصلا.
يصبح هذا الإفراط في التنظيم أكثر عبثية عندما يستهدف ممارسات دينية معينة بشكل خاص. فاللاعبون المحترفون، الذين ترافقهم طواقم طبية، يديرون نظامهم الغذائي وفق احتياجاتهم الفيزيولوجية. إذن، لماذا تحظر استراحة لا تؤثر على سير المباراة، بينما يتم السماح بها في أماكن أخرى من أوروبا؟ يخفي هذا الجدل المصطنع واقعا مقلقًا: رغبة في التحكم في الأجساد، حيث تسعى الدولة إلى فرض قيود حتى على كيفية تغذية الرياضيين أو لباسهم.
التناقضات الفرنسية
بمحاولتها تقنين كل شيء، تقع فرنسا في تناقضاتها الخاصة. هل ينبغي حظر أي تكيّف باسم الحياد، أم الاعتراف بأن الرياضة يمكن أن تتكيف مع الممارسات الثقافية والدينية دون أن تتخلى عن قيمها؟
لا تزال بعض الأصوات، القليلة في المشهد السياسي الفرنسي، تدعو إلى نهج أكثر براغماتية: العودة إلى جوهر العلمانية، التي تضمن حرية الضمير للجميع، دون تمييز. بعبارة أخرى، حان الوقت لأن تتوقف فرنسا عن وصم جزء من سكانها باسم الحياد، وأن تتصالح مع مبادئها الحقيقية: الحرية والمساواة والأخوة.