سمير الحيفوفي
في فرنسا اعتقلت السلطات الأمنية فتى بالكاد بلغ سنته الثالثة عشر، والسبب أنه تحوَّز سكينا وطعن رفيقا له، في باحة الإعدادية حيث يدرسان في مدينة “نيم”، لكن لا أحد هناك هبَّ ليحاول الاصطياد في الماء العكر، و”يُقلّز” للسلطات القضائية من تحت الجلباب، وتداول الشجب والانتقاد تحت يافطة “براءة الطفولة”، وغير ذلك من الشعارات البراقة.
وفي فرنسا وأمريكا وألمانيا وإنجلترا.. القوانين تسري على الجميع.. بما فيهم الأطفال القاصرين، وتجدهم يُعتَقلون ويقتادون بدورهم إلى السجن، لأداء ما ترتب لدى المجتمع في حقهم، لكن البعض من المزايدين والمرضى بفتح الأفواه، يستكثرون على المغرب أن يُنزَّل القانون على القاصرين، وإن اختلف القضاء الذي يمثلون أمامه والمعروف بقضاء الأحداث.
وفي قضية النصاب “هشام جيراندو” الذي استغل ببشاعة صغر ابنة شقيقته، والتي مثلت أمام قاضية الأحداث وقررت الاحتفاظ بها في مؤسسة لرعاية الطفولة، فإن المدعين والمرضى بالجعجعة، لربما يجهلون بأن الفرق شاسع بين هذه المؤسسة وبين المؤسسة المؤسسات السجنية، أو يعلمون وإنما يحاولون التغليط وتبييض وجه النصاب “هشام جيراندو”، ومن والاه في شبكته الإجرامية.
ولعل المرضى الذين هبوا ليثيروا كذبا وزورا مسألة “اعتقال” لفتاة قاصر، أغفلوا أن الأمر يتعلق بإجراء تدبيري واحترازي يروم حماية الطفلة، وينسجم مع كل المواثيق والمعاهدات الدولية، لحامية والضامنة لحقوقها وكذا المحسوبين على هذه الفئة العمرية، إلى حين استجلاء كل الحقائق بشأن الجرائم التي تورطت فيها بإيعاز من خالها ووالدها ووالدتها.
لكن وكما انبرى المطبِّعون مع النصابين إلى الزعيق، ورمي ورقة “حقوق الطفل” و”براءة الطفولة” على الطاولة، فإنهم ضربوا صفحا عن الخوض فيما تورطت فيه بمعية أفراد أسرتها، وقد ثبت، بما لا يدع مجالا للريبة، أنهم مزاولون للابتزاز والتشهير والتهديد، وذلك عبر هواتف وشرائح جرى تسخير الطفلة لاقتنائها، وهو أمر لم يشجبه أحد من غثاء السيل.
وكمن حضَّر مسبقا الرد، خرج على المغاربة من يزايد على قضائهم وعدالتهم إقامة القسطاس والانتصار لضحايا وقعوا في حبائل “كارتل النصب” العائلي المشكل من لدن الهارب نحو كندا، وبدلا من أن تسمى الأشياء بمسمياتها، اختار هؤلاء مهاجمة المؤسسات التي تروم تحقيق العدل، دون أن يتنحنحوا ويقولوا اللهم إن هذا منكر بشأن ما اقترفه “كارتل النصب”.
والأكيد، أن ما يفتحون أفواههم الآن، ألجموا ألسنتهم، واختاروا دور المتفرج وهم يعاينون النصاب “هشام جيراندو” وهو ينهش في لحوم ضحايا منتقون بعناية، فلا أحد منهم، سمع له حس أو ركز والمبتز يرجف ويدعي ويشهر ويهاجم ضحاياه ومؤسسات أمنية في المغرب بأقذع الأوصاف وأفظع النعوت.
ثم، وإن هب هؤلاء المرضى لتبييض وجه النصاب، بالدفع بكون الطفلة حدث قاصر، ولا تستحق الإحالة على مركز الطفولة، فلم لم يبدر عنه ما ينتصر للأحداث الكثيرون من نزلاء مركز حماية الطفولة، من أبناء الشعب، والذين اقترفوا جرائم أودت بهم إلى مصيرهم هذا؟
أليس لهؤلاء من يدافع عنهم، أم أن المارقين الذي خرجوا للمزايدة على السلطات القضائية، يجتزؤون الحقوق ويفرقون الصكوك على أهوائهم، يرون هذا مستحقا للتضامن وذاك لا، فيذيلون البلاغات ويشوهون التضامن والمؤازرة، وهم يحاولون تغطية شمس الحقيقة بغربال الكذب.
إن الأمر يتعلق بمحاولة بائسة من شرذمة مستعدة للخوض في كل شيء والارتماء في البحر بلا تبّان، لا لشيء لأنه ذلك لا يرضي أهواءها، فتراهم ينتفضون ويتلاعبون بالعواطف وبالشعارات البراقة لعلهم يقضون أمرا، بينما الأمر أبعد من أن يثار بمثل هكذا سطحية نضالية من قبل هؤلاء، لو أنهم تجردوا من أحقادهم ووثقوا في العدالة وانتصروا للضحايا قبل الجلاد مثل النصاب “هشام جيراندو”.