أمينة المستاري
في نونبر 1909، قدم السيد كايار فريديريك للسلطان مولاي عبد الحفيظ على كونه مراسل لصحيفة “الطان”. أطلع السلطان على مهمته وتلقى وعدا بتسهيل مأموريته ، وخصص له مخزنيين كانا مكلفان بالاستخبار عن كل حركة من حركات المراسل الصحفي، فقد كان السلطان يحرص على أن يكون على وفاق مع الصحافة وخاصة الأوربية، يسرد المؤلف في مذكراته، سيما وأن انتصاراته على سلفه مولاي عبد العزيز وبوحمارة …
جعلته يبالغ في إظهار سلطته لأوروبا، لكنه مع مرور الوقت أصبح يتخذ إجراءات تضيق على محمييها وما كان يريد بها أن يحد من التجاوزات المحققة التي نجمت عن الحماية، بقدر رغبته في أن يظهر للقبائل أن المسيحيين لم يكونوا يفرضونها عليه، وكان مقتنعا أن دول أوربا على وشك الانهيار بسبب نفقاتها العسكرية وهجومات الفوضويين.
كان السلطان قد أرسل بعثة إلى باريس تمكنت من إقامة علاقات مع شخصيات سياسية ويعتقد أن مخبريه قادرين على التأثير على البرلمانيين، فكان يماطل إلى حين انهيار أوربا ليتمكن المغرب من أن يبقى منعزلا ويتحلل من الإصلاحات، وهو ما كان سيقضى على كل تعاون فعلي وتلغي كل إمكانية للتطور السلمي.
في دجنبر، استقبل السلطان البعثة الفرنسية وفوض إليها تجهيز جيش نظامي صغير مسلح ،مدرب ومؤدى الرواتب، وفي الوقت الذي اعتقد أنه باستطاعته الاستغناء عن البعثة، فعاد إلى النظام القديم.
استغل مولاي عبد الحفيظ العصيان في كاطالونيا فقرر مد يد العون للريفيين لدفع الاسبان عن مليلية، ليظهر بمظهر المنتصر على المسيحيين، واستقبل أحد أهم قادة الريفيين الراغبين في المساعدة لمحربة الاسبان.
تراجعت شعبية السلطان، وانقلب الرأي العام إلى جانب أوربا، بعد أن تعرض السكان للاستنزاف ، وأصبحوا ينتظرون التحرر وإرغام السلطان عل اتخاذ نظام أقل اضطهادا لهم.
اندهش فريديريك لتغير الأمور، فقد أصبح الأوربي يعامل بحفاوة بفاس عكس ما كان، ولم يعد المغاربة يمتنعون عن التعامل معه ولم يمنع الأوربي من دخول المدينة، واكتراء بيوتها …ونفس الأمر بالنسبة للبوادي، وهو ما لمسه الجاسوس الفرنسي خلال تنقله بضواحي فاس، فقد كان يستقبل بحفاوة من طرف البدو الذي ضاقوا ذرعا من الضراب الفادحة وأصبحت لهم قابلية للتعامل مع الفرنسيين بل واعتبارهم حماتهم…
وعلى عكس المناطق الخاضعة لسلطة الحكومة الشريفة، كان تعامل البدو مخالفا ومعاديا للأوربي، فقد تعرض فريديريك لطلقات بنادق من منطقة وادي إناون ووادي اللبن.
يسرد المؤلف في مذكراته عن بعض مظاهر الهيبة التي كانت تتمتع بها الدولة الشريفة خاصة في المناسبات والأعياد الدينية كعيد الفطر وعيد الأضحى وعيد المولد النبوي وبعض الأحداث التي وقعت، ومدى مشاركة الأهالي من حضر وبدو فيها، والتي وصفها بالانقلاب الناتج عن سياسة دينية جديدة انتهجها السلطان، وتقربه من الشرفاء ورؤساء الزوايا والتقرب من القادة العسكريين الذين حاربوا الفرنسيين في الشاوية، بل قام بإطلاق لقب “المجاهد” على أحد أبنائه وأطلق السلطان على نفسه اسم “الغازي”.
علم فريديريك أن الأمور ستسوء، لذلك عجل بإنجاز الخرائط الجغرافية بفاس، وبقيت الأوضاع متوترة بين فرنسا والحكومة، في وقت ظلت العلاقات طيبة مع سي عيسى بن عمر وزير العلاقات الخارجية، وهو ما لم يرق للوزير الصدر الكلاوي، وما لبث أن أقيل السي عيسى وغادر العاصمة ليخلفه في منصبه ابنه.
في شهر ماي قام فريديريك بإجراء مقابلة لصحيفة “الطان” ببوجلود، وعبر عن رأيه صراحة في معاداة السلطان لفرنسا، إلا أن هذا الأخير نفى ذلك وأكد نيته الحسنة لكن في مقابل ذلك أرجع موقف الحكومة النابع من وجود “أشرار” يحاولون تعكير صفو العلاقات بين البلدين، وبكون الصحافة أخطأت في وصفه بالعدو اللدود للأوربيين، وأشاد بالأمن والأمان الذي يعيشه رعايا أوربا في عهده”….
أسئلة عديدة لقيت تجاوبا وردا من طرف السلطان مولاي عبد الحفيظ ، بل أن السلطان خص مراسل الجريدة بحوار آخرونفى التهم الموجهة إليه بتعذيب السي عيسى وزوجته وما نشر من أخبار عن هلاكهما، بل رافقه إلى سجن الدكاكن لرؤية المسجون وعرضت زوجته الباتول على البعثة الطبية الإنجليزية التي أقرت وجود ورم وألما في كتقها ورضوض على ذراعيها بسبب تكبيلها ومحاولة إرغامها على الإفشاء بأسرار زوجها، فقام الجاسوس الفرنسي باستجداء عذف السلطان لإطلاق سراح السي عيسى وزوجته وهو ما كان بالنسبة للا الباتول، فيما وعده بتخفيف أغلال السجين وزير العلاقات الخارجية السابق وإطلاق سراحه حالما تسمح الظروف، وفعلا وفى بذلك ، يقول المؤلف.